رياضة

سفيان أمرابط أسطورة الوسط و”الجندي الخفي” للمنتخب المغربي الذي خلق الحدث

سفيان أمرابط أسطورة الوسط و”الجندي الخفي” للمنتخب المغربي الذي خلق الحدث

ولد سفيان أمرابط في 21 غشت 1996، ببلدة هويزن شمال هولندا لأسرة مغربية مهاجرة تعود أصولها إلى بلدة بن الطيب التابعة لمدينة الناظور، في منطقة الريف شمال المغرب.

وترعرع سفيان في عائلة تعشق كرة القدم، فشقيقه الأكبر فوزي يحب الكرة على الرغم من أنه لم يكن لاعبا محترفا، لكن شقيقه الأوسط نور الدين الذي يكبره بـ9 سنوات كان أحد نجوم الكرة المغربية.

نشأ سفيان نشيطا دائم الارتباط بأخيه نور الدين، الذي كان يصطحبه باستمرار إلى تدريبات الفرق التي كان يلعب لها؛ فعشق كرة القدم وكان يمارسها مع رفاقه في الشارع، ويحضر بانتظام في ملاعبها الصغيرة قرب منزل عائلته، فقد حلم بالسير على خطى شقيقه.

وركزت عائلة أمرابط على دعم الموهبة الكروية لابنها الأصغر (سفيان)، فسجلته في ناد محلي من أجل تمكينه من التدريب وممارسة كرة القدم.

ولم يكن سفيان في صغره كثير الأصدقاء؛ لانشغاله الدائم وقضاء وقته بين المدرسة والتدريب.

مسيرة كروية مبكرة:

في سن السابعة بدأ سفيان ممارسة رياضة كرة القدم؛ ففي 2003 انتسب لنادي “دي زويفوغلز” الهولندي، الذي وصفه مدربه آنذاك “هانز فان ديست” بأنه “فتى يحب أن يتطور”.

وفي عام 2007 اختُبر في نادي أوتريخت الهولندي، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 11 عاما، فانضم لأكاديمية النادي وتدرج ضمن الفئات العمرية فيه.

وقال سفيان إنه في تلك الفترة “كان في رحلته اليومية إلى المدرسة، يغادر المنزل في الثامنة صباحا على متن الدراجة، ويعود عند الثامنة والنصف مساء. وبعد ذلك يتوجه إلى محطة الحافلة ليذهب للملعب الذي كان يبعد عن منزله 28 كيلومترا”.

ووصف تلك الأيام بـ”الصعبة” لكنها لم تعق وصوله إلى حلمه، واعتبر أن المستوى الذي وصل إليه لم يكن سهلا؛ لأنه كان ينافس أكثر من 200 زميل في مدينة أوتريخت يتدربون معه في الفئات الصغرى، ولم يصل من زملائه للفريق الأول سوى 3 أو 4.

وتلقى سفيان أمرابط تكوينه الرياضي داخل الأكاديمية، مما صقل موهبته وجعل مسؤولي النادي الهولندي يمنحونه عقدا احترافيا في نونبر 2014 امتد إلى 2017.

وفي شتنبر 2017 ارتقى أمرابط إلى الفريق الأول، وفي الثاني من نونبر من السنة نفسها لعب أول مباراة احترافية وهو في الـ18 من عمره، وفي موسم 2016-2017 شارك في 38 مباراة رسمية.

وكان من أسباب تألقه اهتمام بطل الدوري فريق فينورد روتردام، الذي وقّع معه عقدا لمدة 4 سنوات مقابل 5 ملايين يورو في يونيو 2017، وتوج معه خلال موسمين بـ3 ألقاب محلية.

تجربة احترافية:

انتقل سفيان أمرابط في أول مسيرة احترافية أوروبية إلى نادي بروج البلجيكي في 24 أغسطس/آب 2018، في صفقة لمدة 4 أعوام بلغت قيمتها 2 مليون يورو.

ورغم توقيع العقد إلا أن وضع سفيان كان معقدا بسبب قلة المشاركات الأساسية مع الفريق مع تغيير منصبه إلى مدافع، فتمت إعارته في 22 أغسطس/آب 2019 لنادي هيلاس فيرونا الإيطالي، الذي اشترى عقده بعد ذلك مقابل 3.5 ملايين يورو.

وفي تجربة أخرى تعاقد مع نادي فيورنتينا في 30 يناير/كانون الثاني 2020، حتى صيف 2024.

ومنذ موسم 2019-2020 قرر ارتداء القميص رقم 34 تكريما لصديقه عبد الحق نوري، الذي توقفت مسيرته بعد تعرضه لسكتة دماغية في 2017، وقال تعليقا على ذلك “لقد اخترت هذا الرقم كعربون وفاء له وسأحتفظ به حتى نهاية مسيرتي الكروية”.

“لن ألعب لبلد آخر غير المغرب”:

كان سفيان في طريقه إلى تمثيل هولندا بعدما لعب على مستوى الناشئين تحت 15 عاما للمنتخب، بين عامي 2010 و2011 تحت قيادة المدرب إدوين بيترسن.

وكان أول اختيار له خلال مواجهة ودية ضد تركيا في الدقيقة 88 على الملعب الأولمبي في مرسين، ثم لعب في الدقيقة 52 في مواجهة ودية ضد سلوفاكيا، ولعب في الدقيقة 80 في مباراته الثانية ضد سلوفاكيا، وكان إلى جانب اللاعبين جاورو ريديوالد وريتشيدلي بازور، اللذين انتهى بهما المطاف لاعبين محترفين.

وكان مدرب أسود الأطلس آنذاك الهولندي بيم فيربيك هو من أقنع سفيان بالانضمام إلى المنتخب المغربي، للمشاركة في كأس العالم للناشئين تحت 17 عاما في الإمارات عام 2013، ثم مثّل منتخب المغرب تحت 20 عاما وتحت 23 عاما.

وفي الـ18 من عمره كان أول ظهور له مع المنتخب المغربي الأول، تحت قيادة المدرب السابق لأسود الأطلس بادو الزاكي في مباراة دولية ودية مع منتخب تونس، إلى جانب شقيقه نور الدين.

ورغم ذلك، لم تنقطع آمال الهولنديين في رؤية سفيان يرتدي القميص البرتقالي، حيث ذكر في تصريحات إعلامية أن الاتحاد الهولندي لكرة القدم بقيادة ديك أدفوكات “أجرى معه اتصالات لأجل ضمه لمنتخب الطواحين الهولندي”.

وقال “لقد ذهبت للقائه (ديك أدفوكات) مع وكيل أعمالي.. وأخبرني أنه يريدني في المنتخب الهولندي، فطلبت مهلة للتفكير”. وحينها تلقى اتصالا من رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، ودُعي مع والديه إلى المغرب لمدة 3 أيام، وهناك أُخبر برغبة المغرب في ضمه للمنتخب الوطني.

ثم ذهب لمتابعة مباراة فاز فيها المغرب على الغابون ضمن تصفيات كأس العالم في ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، أمام ما يقارب 70 ألف متفرج، وقال “أعجبت بالأجواء الحماسية التي رافقت تلك المباراة، وحينها تأكدت أنني لن ألعب لبلد آخر غير المغرب”.

وبعد مضي أسبوع على تلك الحادثة، اتصل سفيان أمرابط بأدفوكات وأخبره بحسم قرار تمثيله منتخب بلده المغرب، وقال في مقابلة صحفية “لم أستطع اللعب لهولندا لأنني أشعر بالانتماء التام للمغرب، ولا يمكن أن ألعب مع أي منتخب آخر”.

وأكد اعتزازه بجذوره قائلا “المغرب وطني، وهولندا بيتي الثاني ومسقط رأسي، التي عشت بها الجزء الأكبر من حياتي… أنا مغربي ووالداي وأجدادي أيضا، عندما أذهب إلى المغرب أشعر بداخلي أنني في المنزل، هولندا أيضا، لكن المغرب بلد فريد”.

وكانت أول مباراة لنجم الأسود في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ضد منتخب ساحل العاج، تحت قيادة الفرنسي هيرفي رونار مدرب الأُسود السابق.

ثم شارك في مونديال روسيا 2018، وكان أول لاعب في التاريخ يدخل الملعب مكان شقيقه نور الدين أمرابط في الدقيقة الـ76 ضد إيران.

وشارك في نهائيات كأس أمم أفريقيا في مصر عام 2019، وفي الكاميرون عام 2022، وخاض إلى العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي مع المنتخب المغربي 47 مباراة دولية.

بالرقم 41.. كتب التاريخ:

ينظر لسفيان أمرابط على أنه “أسد الوسط” و”الجندي المجهول” الذي قاتل بكل ما أوتي من قوة خلال مباريات كأس العالم 2022، حيث قاد بلاده لأول مرة في الوصول إلى نصف نهائي البطولة.

وكان الحدس الدفاعي الذي تميز به هو ما ساهم بشكل كبير في الاحتفاظ بنظافة شباك منتخب بلده، في 4 من أصل 5 مباريات خاضها أسود الأطلس في مونديال قطر 2022.

ويعتبر أمرابط “لاعب وسط فيورنتينا” أكثر اللاعبين المغاربة ركضا في المونديال بمعدل 59.3 كيلومترا، ويوصف بـ”رئة الأسود”؛ ففي المباريات الثلاث الأولى للمونديال قدم 133 تمريرة، وقطع 5 كرات، فضلا عن افتكاك الكرة في 24 مناسبة.

وكان أكثر لاعب قطع مسافات في مباراة المغرب وإسبانيا بواقع 14.86 كيلومترا، كما كانت نسبة نجاحه 100% في الصراعات الثنائية على الأرض مع لاعبي إسبانيا في 120 دقيقة.

وحقق “النجم المقاتل” في دور ربع النهائي أمام المنتخب البرتغالي 8 اعتراضات موفقة، و3 تدخلات ناجحة، وانتصر في 3 مبارزات، ولعب 32 كرة عبر تمريرات موفقة.

وأكدت إحصائيات شبكة “أوبتا” أن سفيان استخلص الكرة 41 مرة في المونديال حتى الآن، أكثر من أي لاعب في البطولة، وأضافت الشبكة “رقم سفيان أمرابط هو الأكبر للاعب في منتخب أفريقي في البطولة منذ نسخة 1966 على الأقل”.

ويرى متتبعون أن الأرقام التي حققها نجم وسط ميدان المنتخب المغربي تؤهله للفوز بجائزة أفضل لاعب في المونديال، واعتبرت صحيفة إسبانية أنه أحد أكبر المفاجآت في كأس العالم، بينما وصفه مدربه الركراكي قائلا “إنه مهاجمنا الأول ومدافعنا الأول”.

الأخ مصدر الإلهام:

أكد القلب النابض لمنتخب المغرب في خط الوسط أن كرة القدم بالنسبة له “أسلوب حياة” وليست مجرد تدريب، وقال “من السهل تقديم التضحيات لأنني أعرف ما أريد، كان من المهم دائما أن أجعل والديّ فخورين، وهذا كان دافعا إضافيا، وكنت أعمل كل شيء لتحقيق ذلك”.

وأكد سفيان أمرابط (26 عاما) أن شقيقه الأكبر نور الدين هو قدوته في الحياة، وشريك أفكاره وأهدافه وصديقه الذي لا يبخل بالنصح، ومساعده على التطور داخل وخارج الملعب ليصل إلى الاحتراف، وهو من يهدي له نجاحاته.

وعُرف عن “الأسد المغربي” ارتباطه بوالديه، حيث يقضي معظم وقته معهما، فهو عاشق لطبخ والدته لأنه “أفضل طعام في العالم” بالنسبة له، ويستمد قوته من دعاء والده الذي يتصل به قبل كل مباراة بنحو نصف ساعة.

أسلوب اللعب:

يرتكز سفيان أمرابط في الوسط الدفاعي لأسود الأطلس ببنية جسدية قوية، إذ يبلغ طوله مترا و83 سنتمترا، ووزنه 70 كيلوغراما، وهي معايير جسم مثالي يمكنه من التفوق على منافسيه في الالتحامات والنزالات الثنائية، وكذا قطع الكرات وتضييق المساحات، والدقة في التمرير، ويعتمد سفيان أسلوب الاستحواذ على الكرة والضغط الهجومي.

وأكد أمرابط أنه لا يقلق في المباريات الكبيرة وأنه “يحب اللعب دائما في الملاعب الممتلئة”، وعندما وصفه مدربه بـ”قاطع الطريق” رد قائلا “أنا أفهم لماذا قال ذلك، ففي بعض الأحيان يجب أن تكون قاسيا في الملعب، وأحاول أن أكون ذلك اللاعب؛ فأنا شخص لا أخاف من أي شخص”.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!