الذكرى الـ 75 لأحداث 7 أبريل 1947 بالدار البيضاء.. استحضار لنضالات أبناء هذه الحاضرة المجاهدة في مسيرة الكفاح الوطني
وفاء لأرواح الشهداء الميامين الذين أبلوا البلاء الحسن في معترك المقاومة استحضار لنضالات أبناء هذه الحاضرة المجاهدة في مسيرة الكفاح الوطني وساحة النضال الوطني، واستحضارا للملاحم البطولية لمسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية، يخلد الشعب المغربي، ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وساكنة حاضرة العاصمة الاقتصادية، يوم غد الخميس 7 أبريل 2022، الذكرى الـ 75 لأحداث 7 أبريل 1947.
فمع حلول هذه الذكرى المأساوية يضع المغاربة نصب أعينهم تلك المجزرة الشنعاء التي اقترفها المستعمر الغاشم في حق ساكنة الدار البيضاء من أجل الحيلولة دون قيام جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه بزيارة الوحدة التاريخية لمدينة طنجة يوم 9 أبريل 1947، هذه الزيارة الميمونة التي كانت الغاية من ورائها مطالب المغرب المشروعة بنيل حريته واستقلاله وتحقيق وحدة ترابه الوطني وتمسكه بانتمائه العربي والإسلامي.
وفي ظل الذكرى الخامسة والسبعين لهذه الأحداث الدامية، لابد من استحضار الملاحم والمعارك البطولية التي خاضها المغاربة حينها من اجل التصدي للتدخل الأجنبي في شؤون بلدهم الداخلية، بحيث لم تكن هذه هي المحاولة الأولى للاحتلال الفرنسي، فبمجرد ما استتب الأمر بالجارة الجزائر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، توجهت أنظاره واشرأبت أعناق أطماعه صوب المغرب، حيث دخلت قواته العسكرية في مناوشات وتربصات على ثغوره لتتوالى الهزائم العسكرية التي تعرض لها بدءا بحربي إيسلي في سنة 1844 وتطوان في سنة 1859-1860. ومنذ ذلك الحين، أصبح المغرب معتركا للعديد من المناوشات والمواجهات وعقد التسويات.
وهكذا اعتبرت الدولة الاستعمارية أن جوارها للمغرب يمنحها حقوقا ليست لغيرها من الدول، وأن الوجود الاستعماري بالجزائر الذي قادها إلى تونس سوف يقودها أيضا إلى المغرب، لذلك حاولت تكثيف جهودها للسيطرة عليه، ولجأت إلى سياستي المطالبة بالإصلاحات والقروض، وقد أعطت هذه السياسة أكلها، حيث أن قرض سنة 1904 سمح للمراقبين الفرنسيين بالجلوس إلى جانب أمناء الموانئ المغربية لاستخلاص الدين الفرنسي.
وبعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 وما أسفرت عنه مخرجاته من إطلاق أيادي السلطات الاستعمارية على المغرب، أصبحت قواتها العسكرية الغازية تبحث بكل الآليات والوسائل المشروعة وغير المشروعة لذريعة تمنحها حق التدخل في شؤونه الداخلية.
وهكذا انتهزت سلطات الاحتلال حدث مقتل أحد عملائها في مراكش وهو الطبيب “موشان” لتقصف مدينة فكيك وتحتل مدينة وجدة في مارس 1907 انطلاقا من الحدود الجزائرية، وهي نفس الذرائع التي استغلتها حينما توسعت في واحة توات سنة 1900 بدعوى ملاحقة المتمردين والمتعاونين مع الأمير عبد القادر الجزائري. وذات الادعاءات والمبررات وظفتها القوات الاستعمارية وهي تشن غارتها البحرية على مدينة الدار البيضاء التي تعرضت لدمار وتخريب شامل من طرف المدفعية الفرنسية يومي 5 و7 غشت من سنة 1907 على إثر حدث مقتل تسعة عمال أجانب الذين كانوا يقومون بأعمال بناء خط السكة الحديدية منتهكين حرمة مقبرة قديمة للمسلمين، وهو ما اعتبر تدنيسا للمقدسات الدينية للمغاربة.
هذا الغزو الذي تعرضت له المدينة إن كان يبدو في ظاهره على أنه رد فعل اتجاه أعمال التخريب التي قام بها سكان مدينة الدار البيضاء اتجاه شركة البناء التي كانت تعتزم ربط مرفأ الميناء بالرصيف، إلا أنه في واقع الأمر كان فكرة راودت القوى الاستعمارية الفرنسية منذ سنة 1903، والمتمثلة في السيطرة على أحد أهم المراكز التجارية البحرية في شمال إفريقيا، وهو ميناء الدار البيضاء الذي قال عنه “لوموان” Le Moine: “فميناؤها واسطة عقد الموانئ المغربية المفتوحة للتجارة، ويوجد وسط سهول الشاوية الخصبة”.
فما أن احتلت جحافل القوات الفرنسية مدينة الدار البيضاء في 7 غشت 1907 وتوجهت أنظارها لزحف نحو بسيط الشاوية لاحتلالها، حتى سارع أبناء هذه الربوع المجاهدة إلى حمل السلاح والدعوة للتعبئة الشاملة والجهاد في صفوف القبائل المجاورة، حيث جابهت قوات الاحتلال الفرنسي في معارك عدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر؛ معركة دار بوعزة في 28 غشت 1907 ومعركة سيدي مومن في 3 شتنبر 1907 ومعركة السطات الأولى في 15 يناير 1908 ومعركة عين مكون في 24 يناير 1908 ومعركة دار قصيبات في 2 فبراير 1908 ومعركة سيدي الجبلي ومعركة مديونة في نفس السنة، وغيرها من المحطات النضالية الغراء.
وتبقى هذه المعارك مثالا حيا و شاهدة على رفض الشعب المغربي للغزو الفرنسي لأراضيه ومناهضته للوجود الاستعماري والاحتلال الأجنبي، لتَلُوحَ بعد ذلك تَباشير النضال السياسي الذي برزت ملامحه بالمدن، قبل اتساعها لتعم القرى والمداشر بفضل حملات التحسيس والتنوير ونشر الوعي الوطني وإلهاب الحماس الشعبي في صفوف الشباب وسائر فئات وشرائح المجتمع المغربي بكافة مشاربه وأطيافه، لإذكاء الهمم والعزائم ولمواصلة النضال الوطني من أجل الانتصار للقضية الوطنية التي هي حرية الوطن واستقلاله وسيادته ووحدته.
ومن تجليات هذا المسار الجديد الذي نهجته الحركة الوطنية قراءة اللطيف تنديدا بما سمي بالظهير البربري التمييزي العنصري الصادر في 16 ماي 1930، ثم المطالبة بالإصلاحات سنة 1934 لتأتي المبادرة التاريخية الرائدة لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال لقادة الحركة الوطنية في 11 يناير 1944 بتشاور وتوافق مع بطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، هذا الحدث التاريخي الذي قض مضاجع الإقامة العامة للحماية الفرنسية وبعثر مخططاتها وحساباتها، فسارعت إلى اعتقال زعماء وقادة الحركة الوطنية والتنكيل بالمؤيدين والمناصرين للوثيقة التاريخية وإيداعهم في السجون أو إبعادهم إلى المنافي.
وإن الذاكرة التاريخية الوطنية لتختزن أحداثا مشهودة من أيام هذه المدينة المناضلة، المشهود لها بالغيرة الوطنية ونكران الذات والتضحيات الجسام التي بذلها أبناؤها في رياض العمل الوطني والمقاومة والتحرير، دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية، وتحديا لسلطات وقوات الاحتلال الأجنبي أثناء مواجهات يوم 7 أبريل 1947، إذ تصدى البيضاويون بكل إيمان وشجاعة وإقدام لحملات التنكيل والتقتيل التي شنتها عليهم القوات الاستعمارية بدوافع انتقامية وعدوانية.
فقد اختلقت السلطات الاستعمارية أسبابا أوهن من بيت العنكبوت ليدفع فيليب بونفاص، رئيس ناحية الدار البيضاء جنوده وزبانيته إلى ترويع وتقتيل المواطنين بكل من أحياء ابن مسيك وكراج علال ومديونة ودرب الكبير والأحياء المجاورة دون تمييز بين أطفال وشيوخ ونساء، فسقط المئات من المواطنين بين شهداء وجرحى ومعطوبين، واعتقل العديد من النشطاء الوطنيين والنقابيين والمناضلين وعموم المواطنين.
بيد أن بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول، جلالـة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، تحدى قوات الاحتلال الغاشم، وأدرك أبعاد وأهداف المؤامرة الدنيئة التي أقدمت عليها سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية، فتوجه إلى مدينة الدار البيضاء ليواسي عائلات الضحايا ثم ليتوجه بعد ذلك إلى مدينة طنجة للقيام بزيارته في موعدها المقرر، محبطا بذلك مناورات السلطات الاستعمارية.
وكذلك ألقى خطابه التاريخي في 11 أبريل 1947 بطنجة، والذي أكد فيه للعالم أجمع إرادة الشعب المغربي وعزمه على المطالبة بحريته واستقلاله، معلنا أن المغرب متمسك بسيادته ووحدته وصون كيانه الوطني.
وقد كان من آثار أحداث 7 أبريل 1947 الدعوة إلى تنفيذ إضراب عام بالمدن المغربية، وتعبئة فعاليات المجتمع المغربي لتقديم العون والمؤازرة للعائلات المتضررة، وتعزيز المواقف المنددة بالاحتلال الأجنبي، وشجب مؤامراته التي أودت بحياة الأبرياء وعكرت صفو عيش المواطنين.
غير أن هذه الأحداث المؤلمة زادت في تأجيج الروح الوطنية وإذكاء مشاعر النضال الوطني لإنهاء الوجود الاستعماري وإصرار العرش والشعب على مواصلة الكفاح الوطني، خاصة إثر إقدام السلطات الاستعمارية على نفي الملك الشرعي جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته الشريفة يوم 20 غشت 1953 إلى المنفى السحيق، فلم تهدأ ثائرة الشعب المغربي وطلائعه في المقاومة إلا بعودة العاهل المفدى إلى عرشه ووطنه، حاملا لواء الحرية والاستقلال.
وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد ذكرى شهداء أحداث 7 ابريل 1947 لتتوخى استحضار ملاحم وفصول الكفاح الوطني والتضحيات الجسام التي قدمها الشهداء الأبرار والإشادة ببطولاتهم والتعريف بإسهامات جميع شرائح المجتمع المغربي بقيادة العرش العلوي المنيف في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية، واستلهام ما تزخر به هذه الملاحم من قيم وطنية، وهي تهدف من خلال إحيائها وتخليدها هذه المناسبة وغيرها من الذكريات الوطنية التعريف بأمجاد الأمة المغربية وبتاريخها النضالي الخالد وتلقين مضامينها ورسائلها البليغة للأجيال الحاضرة والمتعاقبة صونا للذاكرة الوطنية تماشيا مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي أكد في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلاء المزيد من العناية لتاريخنا الوطني المجيد والتزود من ينابيعه الفياضة والمتنوعة لتعزيز مسيرات الحاضر والمستقبل .
ومن ذلك ما جاء في خطاب جلالته السامي بمناسبة تخليد الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال والأيام الثلاثة المجيدة حيث قال قوله المأثور: ”وإذ نستحضر هذه الصفحات المشرقة من تاريخ المغرب، فليس للإشادة أو التبجيل وإنما لاستخلاص العبر والدروس من دلالات الإرث السياسي والوطني والوقوف على ما بذلته الأجيال المتعاقبة من جهود وتضحيات جسام وكذا على المكاسب الرائدة التي حققتها بلادنا وذلك بإسهام جميع المغاربة كل من موقعه مخلفين لنا مغربا حرا متمتعا بسيادته”.
واحتفاء بهذا الحدث التاريخي بما يليق به من مظاهر الاعتزاز والبرور، أعدت النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالدار البيضاء ومعها النيابات الإقليمية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بجهة الدار البيضاء- سطات برنامجا حافلا بالأنشطة والفعاليات يتضمن إلى جانب كلمة المناسبة التي سيلقيها، السيد مصطفى الكتيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في تجمع خطابي، شهادات حية حول أحداث الدار البيضاء في 7 أبريل 1947.
وعلاوة على وقفة استحضار وترحم على أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية بساحة 7 ابريل بدرب الكبير عمالة مقاطعات الفداء -مرس السلطان سيتم بمقر العمالة تكريم ثلة من نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير.
وبهذه المناسبة المجيدة، وحرصا من المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية والمعيشية للمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير خاصة الأسر الأكثر احتياجا ، سيتم توزيع إعانات مالية على عدد من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير.