هكذا تنظم وقتك بفاعلية في الشهر الفضيل
هكذا تنظم وقتك بفاعلية في الشهر الفضيل
عادة ما نستقبل رمضان بكثير من الخطط، وما إن ينتهي الشهر حتى ندرك أننا لم نتمكن من تنفيذ خططنا؛ ما يجعلنا نقع في الحيرة نفسها كل سنة عند اقتراب الشهر الكريم، ونخشى أن نفوّت 30 يوما دون تحقيق فائدة أو بناء عادة أو حتى الالتزام بتنفيذ مهامنا المعتادة، وفي حين يحمل هذا الشهر تحديا هو الصوم لساعات طويلة خلال اليوم، فإن هذا لا يشكّل عائقا أمام تنفيذ المهام، في الحقيقة، فإن العوائق الحقيقية هي بعض السلوكيات التي ينبغي تجنبها لضمان الالتزام بخططنا وتحقيق ما نريد، مع الجمع بين العبادة والمهام الحياتية في الوقت نفسه.
تقوم إدارة الوقت على عنصرين رئيسيين هما التخطيط والتطبيق، هذا ما يؤكد عليه “إسماعيل كامدار”، مؤلف كتاب “تحصيل البركة: دليل إسلامي لإدارة الوقت”، وبحسب رأيه فإن التخطيط غير الجيد للشهر الكريم سيُضيف رمضانَ آخرَ مهدرا في قائمة أوقاتك، وأول خطوة للبدء في هذا التخطيط هي تحديد أهدافك الدينية في هذا الشهر، إضافة إلى أهدافك الأخرى المتعلقة بالعمل أو الدراسة أو حتى القراءة والتعلّم الذاتي، يفضل أن تخطط للشهر قبل بدئه، لتسهل التزامك بالخطة، كما ينصح بمراجعة خطتك كل ليلة؛ فقد تحتاج إلى بعض التعديلات بحسب ظروفك الطارئة.
ينصح المؤلف عند عمل الخطة بتحديد الوقت الذي تستغرقه المهام التي يجب عليك تنفيذها خلال هذا الشهر، مثل المسؤوليات الأسرية والعمل والراحة والنوم، وكذلك الأوقات المُخصصة للعبادة. وعلى الشخص أن يكون واقعيا بشأن خطته، فلا يخطط لشيء لن يجد الوقت الكافي لتنفيذه خلال الشهر.
يوضح المؤلف ذلك بمثال: إذا كنت تحتاج إلى 7 ساعات للنوم، و7 ساعات للوظيفة أو الدراسة، و3 ساعات للمسؤوليات الأسرية كالاهتمام بالأطفال أو رعاية شخص مريض، بطرح مجموع هذه الساعات من ساعات يومك، ستتبقى 7 ساعات لك من الـ24 ساعة يوميا، لكن انتظر، لا يمكنك القول إن لديك 6 ساعات للعبادة، فهناك وقت ستحتاج إليه في المواصلات ذهابا وإيابا للدراسة أو العمل أو المسؤوليات الأخرى، والوقت اللازم لتحضير الطعام (السحور والإفطار)، والوقت اللازم للأكل، والوقت الذي ينبغي عليك تخصيصه لمهام أخرى، يمكنك إعادة حساب ما سيتبقى لك ثم خصصه لأداء العبادة، وتذكّر أن هذا الوقت هو في يوم واحد، وإذا تمكنت من الالتزام بذلك طوال الشهر فسوف تنجز الكثير.
غياب الوضوح بشأن الأهداف
ينبغي بعد تحديد الوقت الذي تتطلبه المسؤوليات التي ينبغي إنجازها أن تحدد أهدافا واضحة لتحقيقها فيما يخص هذه المسؤوليات، الأمر بسيط ويتطلب أن يكون هدفك محددا وواقعيا ويمكنك قياسه وتحقيقه ومرتبطا بوقت. وفي هذا السياق يطرح “إسماعيل كامدار” مثالا: أريد إنهاء دراسة كتاب تفسير مكون من 800 صفحة خلال شهر رمضان، ولأحقق ذلك علي أن أوزع عدد الصفحات على عدد أيام الشهر، ومن ثم عليّ قراءة 28 صفحة يوميا.
يتضح أن الهدف محدد، وهو كتاب معروف اسمه وعدد صفحاته، وهذا ينبغي فعله عند تحديد أي هدف، أيضا الهدف المذكور واقعي، أي أن مستوى صعوبة قراءة الكتاب أو دراسته لن تمنع الشخص من إكمال المهمة، كذلك فإن العدد المُحدد للصفحات يسهِّل متابعة الإنجاز، وهو لا يتطلب أكثر من ساعة واحدة يوميا وهو وقت يُمكن توفيره. معرفة الوقت الذي يملكه الشخص يوميا لأداء أهدافه يعد -إذن- أمرا مهما لتحقيقها، لذا بناء على الوقت المتاح يمكن تحديد الوقت المخصص لإنجاز كل هدف.
قائمة مهام مفقودة
يمكن تقسيم الأهداف التي حددها الشخص إلى مهام متعددة، فمثلا إذا كان الهدف هو كتابة مقالة علمية، فتنفيذه يتطلب إتمام عدة مهام، مثل كتابة هيكلية المقالة، وتحديد أهدافها، وإنجاز عملية البحث، وقراءة المصادر المعرفية المتوفرة، وتحديد المفيد منها، وترتيب المعلومات وتحليلها، وكتابة المقالة، ومراجعتها، وتدقيقها لغويا. تتطلب هذه المهام تحديد الوقت اللازم لتنفيذ كل منها، ومن ثم يمكن إضافة المهام إلى جدول الشهر وجدول الأيام المخصصة للعمل على تنفيذ هذه المهام.
ينصح هنا “إسماعيل كامدار” بتجنب تعددية المهام خلال الوقت الواحد، أي أن على الشخص التركيز على أداء مهمة واحدة خلال وقت محدد، فذلك يساعده على المحافظة على تركيزه لأداء المهمة وإنجازها بشكل أسرع وجودة أكبر، فمثلا إذا أردت قراءة مجموعة من المقالات العلمية خلال ساعة، فخصص هذه الساعة لقراءة المقالات فقط، وبعد انتهاء الوقت المخصص لهذه المهمة يمكنك الانتقال لمهمة أخرى.
مشكلة التركيز
تتطلب بعض المهام تركيزا أكثر من غيرها، لذا ينصح بأداء المهام التي تتطلب تركيزا وجهدا أكبر في الوقت الذي تكون فيه أعلى تركيزا وطاقة، ومن ثم تدع المهام الأقل إجهادا للأوقات التي لا تشعر فيها بكثير من التركيز، فمثلا بإمكانك الدراسة في وقت تتمتع فيه بالنشاط، وأجِّل تنظيف الغرفة أو التسوق لجلب المواد التموينية للوقت الذي لا تكون فيه بكامل تركيزك.
تختلف أوقات النشاط تلك من شخص إلى آخر وتختلف أيضا بحسب التوقيت والمكان، فبينما ينصح البعض باستغلال ساعات الصباح الأولى لأداء المهام الصعبة في الأوقات العادية، يختلف هذا الأمر في رمضان، وكذلك يختلف من دولة لأخرى بحسب مواقيت الصلاة فيها، وحتى موعد قدوم الشهر الكريم، فمثلا قدوم رمضان في الشتاء حين يكون الليل طويلا يعني أنك ستتمكن من النوم ليلا وتخصيص وقت كاف من الليل للعبادة وأداء بعض المهام. أما خلال الصيف أو في الدول التي يقصر فيها الليل كثيرا، فقد لا تتمكن من أداء مهام كثيرة أثناء الليل، لذا يمكن أن تكون ساعات نشاطك بعد الفجر أو بعد الإفطار.
ينبغي أيضا توزيع المهام حسب أهميتها وضرورة إنجازها خلال وقت محدد، لذا يمكنك البدء بالمهام المهمة والعاجلة، ثم المهمة غير العاجلة، ثم غير المهمة لكنها عاجلة، وتأخير المهام غير العاجلة وغير المهمة. يمكنك ترتيب مهامك في جدول حسب أولويتها.
مهام مبعثرة أو متقطعة
يمكنك إنجاز بعض المهام بطريقة مختلفة لا تستهلك الكثير من الوقت، فمثلا إذا كنت تستطيع إنجاز مهمة عن بعد فافعل ذلك، كاستبدال التسوق للمواد التموينية لصالح التسوق الإلكتروني، إذ سيوفر عليك ذلك الوقت الذي تستهلكه في المواصلات وجمع المواد الغذائية والانتظار للدفع، بعض المتاجر تعرض أسعار توصيل منخفضة جدا في أوقات مختلفة خلال اليوم أو إذا لم تكن طلبيتك عاجلة، يمكنك الاستفادة من هذه الفرصة، كذلك يمكنك إتمام المهام الأخرى كلقاءات العمل أيضا عبر الإنترنت واستثمار الوقت المُهدر عادة في أداء بعض العبادات كالذكر ومراجعة حفظ القرآن.
إذا كنت ممن لديهم قائمة طويلة من الأعمال المكتبية، فهناك نصيحة يمكنك تطبيقها لإنجاز هذه الأعمال، وهي التعامل مع مهامك بواحدة من أربع طرق: تأجيل المهمة، أو تفويضها لشخص آخر، أو تنفيذها حالا، أو حتى إلغاؤها إن أمكن ذلك، وذلك يساعدك على تحقيق نتائج للمهام الأكثر أهمية لك.
ينصح أيضا بتقليل التواصل الاجتماعي الواقعي والافتراضي، وتحديدا التواصل الزائد وغير الهام. بمراجعة أنشطتك الاجتماعية ربما ستعثر على بعض الأنشطة التي يمكنك عدم المشاركة فيها، كتصفح مواقع التواصل الاجتماعي لوقت طويل، أو حتى المشاركة في زيارات ولقاءات اجتماعية غير هامة.
سيساعدك الابتعاد عن المشتتات على أداء المهام المحددة في الوقت المخصص لها، إن لم تكن بانتظار مكالمة عاجلة يمكنك وضع هاتفك في وضعية الصامت، أو تجنب تفقد مواقع التواصل وملاحقة الإشعارات والرد على التعليقات والرسائل الواردة. إذا كنت تشكك في أهمية ذلك، فقط راجِع إعدادات هاتفك لمعرفة الوقت الذي تقضيه على الهاتف يوميا، وفكِّر فيما لو قضيت هذا الوقت في أداء مهامك الحالية.
أمر آخر ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند أداء المهام، وهو أن عليك الاستعداد للمفاجآت أو للتغيرات غير المخطط لها والتي يمكن أن تؤثر على خطتك، فمثلا حصول أمر عاجل كمرض شخص في عائلتك، أو أمر سار يتطلب منك المشاركة في الاحتفال، أو مهمة عمل جديدة، أو غير ذلك، يمكن أن يؤثر في خطتك والوقت الذي حددته للمهام الأخرى، لذا ينبغي أن تتوقع ذلك وتكون مرنا للتعامل معه، فمثلا إن اضطررت لإلغاء مهمة، يمكنك التعامل معها بواحدة من الطرق الأربع التي ذكرناها: أن تؤديها بعد انتهاء التغيير، أو تؤجل ذلك حتى وقت آخر، أو تطلب من شخص آخر أداءها بدلا منك، أو تلغيها.
حياة كسولة
إن نمط الحياة الصحي يمثّل مصدر قوتك الأول لتحقيق كل المهام التي أضفتها في خطتك، وتحديدا فيما يخص النوم والتغذية، فتأثر أي منهما بشكل سلبي سيُعيق أداءك لمهامك، لذا ينصح بتخصيص وقت كافٍ للنوم، واختيار الوقت المناسب لذلك وهو ساعات الليل، إضافة للحصول على القيلولة خلال الظهيرة والتي تساعد على استعادة النشاط وإكمال مهام اليوم بشكل أفضل، وإذا كنت تعاني من أي مشكلات في نومك، فينصح بمراجعة طبيبك ليساعدك على تحسين نومك.
ينبغي أيضا الحرص على اتباع نظام غذائي يساعدك على المحافظة على مستوى جيد من الطاقة خلال اليوم، لذا ينصح بتجنب الأطعمة المقلية والسكريات، وشرب كميات كافية من المياه للمحافظة على رطوبة الجسم وتفادي الشعور بالخمول أو الكسل أو التعب، ويمكنك أيضا استشارة طبيبك في نوع الغذاء المفضل للحفاظ على صحتك، وكذلك نوع الرياضات التي يمكنك ممارستها خلال الصيام والأوقات المناسبة.
في النهاية، يعدُّ شهر رمضان فرصة لخلق عادات جديدة ولتعويد النفس على الانضباط والالتزام بالمهام الواجب تنفيذها، حتى بعد انتهاء الشهر. جل ما يتطلبه الأمر هو القليل من التخطيط المُسبق والمرونة في التعامل مع المُستجدات، مع الكثير من العزيمة والإصرار على تحقيق أهدافك، والخروج من الشهر الكريم بوجه غير ذلك الذي دخلت به إليه.