مجتمع

مطرح النفايات العمومي من الجيل الجديد بتطوان في عين احتجاجات السكان

مطرح النفايات العمومي من الجيل الجديد بتطوان في عين احتجاجات السكان

ترجع بداية هذا المشروع إلى نهاية سنة 2015 عندما صادق المجلس الجماعي للجماعة الترابية صدينة على مشروع توطين هذا المركز في تراب الجماعة. ورغم الرفض الواسع الذي عبر عنه سكان المنطقة والمعارضة الشديدة التي أبداها فريق المعارضة المكون من ست مستشارين جماعيين الذي انسحب من جلسة التصويت بعد إصرار الرئيس الأسبق على  تمرير المشروع بتصويت تسع أعضاء لصالحه في غياب أي دراسة تقنية تحيط بالمخاطر البيئية والاجتماعية التي يمكن أن يتسبب فيها بمنطقة صدينة. واكتفى في الجلسة بعرض صور منمقة لما أسماه المعمل الذي سيعالج مشكل النفايات، والمساحات الخضراء التي ستجاوره.

والآن بعد سنة من الانطلاق الفعلي للعمل بمركز تثمين وطمر النفايات المنزلية بجماعة صدينة، تكشفت الحقيقة المرة التي كان يتخوف منها السكان. فالرائحة الكريهة التي تزكم الأنوف وتضيق بها الصدور حد الاختناق أصبحت لا تغادر أجواء منطقة شاسعة تتواجد بها دواوير كثيرة منها دوار صدينة وابغادر وارواوس وبني عمران وبونزال الأكثر تضررا. وحسب شهادات السكان فإن الحياة لم تعد تطاق بفعل الرائحة المنبعثة من المطرح، والتي جعلت التنفس عملية تترافق مع الغثيان والرغبة في القيء. وأثرت على كل الفئات العمرية للسكان. لقد فقد السكان نعمة الهواء المنعش النقي الذي ميز المنطقة، بعدما انضافت مخلفات المطرح مع الغبار الناتج عن عمل المقالع بالمنطقة.

غير أن الخطر الأكبر الذي يتهدد الصحة العامة والبيئة بالمنطقة هو تسرب العصارة الناتجة عن النفايات إلى الوادي الواقع أسفل المنحدر الذي أنشأ عليه المطرح، وإلى الفرشة المائية بالمنطقة. ففي الوقت الذي تشتد فيه أزمة المياه ببلادنا وتتعبأ الدولة بقيادة جلالة الملك لضمان أمننا المائي، نجد أن مسؤولي المطرح غير عابئين بهذا السياق الوطني ومستمرون في تهاونهم في تنفيذ متطلبات حماية المياه الجوفية في المنطقة من خطر أي تسرب ناتج عن تجميع النفايات وطمرها، وحماية المجرى المائي المجاور للمطرح. وقد تأكد هذا الخطر فعليا بعد معاينة السكان لتدفق هذه العصارة شديدة التلوث من الصهاريج التي امتلأت عن آخرها، وشكلت بركا كبيرة قاتمة اللون كريهة الرائحة بالوادي. مع العلم أن هذا الوادي ينحدر من مرتفعات الحوز القريبة وشكل مصدرا للتوفير الماء للفلاحين بالمنطقة وشرب قطعان مواشيهم. وسيمتد خطر التلوث إلى مجالات أوسع طالما أن هذا الوادي يشكل رافدا من روافد واد الخميس الذي يصب في واد مرتيل. وقد سعى المسؤولون عن المطرح إلى تغطية هذه الجريمة البيئية بتجريف التربة إلا أن ذلك لم يفلح في طمسها.

وكما هو معتاد في المطارح العشوائية فإن المناطق المجاورة للمطرح تصبح بحد ذاتها امتدادا له بما يتجمع فيها من أكياس بلاستيك وأوراق متطايرة ومخلفات تذهب بها الرياح لمسافات بعيدة. ويشتكي الفلاحون من كون هذه المواد بدأت تختلط مع الأعشاب التي ترعى عليها مواشيهم. لكن الأخطر من هذا هو تجمع أعداد هائلة من طيور النوارس على المخلفات التي ترمى بالمطرح، لكن الكثير منها يسقط ميتا على الأرض في كل الأرجاء، ولأنها تترك مهملة فإن ذلك يؤدي إلى تعفنها وتحللها، وتصبح طعاما للكلاب والقطط الضالة والضواري، وهو ما يهدد بظهور أمراض خطيرة معدية قد تتسبب فيها هذه الظاهرة.

لقد تحدث السكان باستفاضة عن هذه المشاكل، وضمنتها جمعيات المجتمع المدني بالجماعة الترابية صدينة وفاعلين جمعويين بمدشر بونزال في شكاياتها المتعددة التي رفعتها إلى السلطة المحلية وإلى العمالة، دون أي استجابة فعلية لحد الآن. وتتحدث هذه الهيئات عن خروقات تشوب تنزيل مشروع مركز تثمين وطمر النفايات الذي تشرف عليه مجموعة الجماعات صدينةللبيئة، وحولته إلى مطرح عشوائي. أول هذه الخروقات تتمثل في عدم استكمال التجهيزات الضرورية لمعالجة العصارة الناتجة عن النفايات، بعد أزيد من سنة من انطلاق العمل بالمطرح، رغم تعهد الشركة المدبرة للمطرح والمسؤولين عن مجموعة الجماعات المكلفة بالإشراف على المشروع بجاهزيته التامة في ظرف سنة. وهذا التقصير تسبب في خطر التلوث البيئي الناتج عن التسرب الذي أشرنا إليه آنفا. أما المظهر الثاني للعشوائية التي تسود المطرح هو قيام الكثير من شاحنات نقل النفايات بتفريغ حمولتها مباشرة في منطقة الطمر دون المرور إلى مركز الفرز والتثمين، ويتأخر كثيرا طمر هذه النفايات بالتراب.

إن ما سبق من أخطار بيئية لا يشكل إلا جزءا من معاناة السكان بالمنطقة. ذلك أن البعد السوسيو اقتصادي لأزمة المطرح ينبئ عن تدمير شامل لمستقبل المنطقة في تنمية مستدامة. فمن المعلوم أن جماعة صدينة خاصة في المناطق والمداشر القريبة للمطرح تتوفر على مؤهلات طبيعية كبيرة أولها الموارد المائية العذبة النابعة من عيون دائمة الجريان تجذب سكان تطوان للتزود بالماء المعدني الطبيعي والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تجعل المنطقة جنة تسر الناظرين. كما تتوفر المياه لري مساحة هامة من الحقول الخصبة دائمة الاخضرار، والتي تزود المدينة بحصة من حاجياتها من الخضر الطازجة. كل هذه الميزات الطبيعية أصبحت في مهب الريح طالما يمعن المسؤولون في تجاهل حل المشاكل التي تسبب فيها المطرح وسوء تدبيره. فقد أصبحت ممارسة العمل الفلاحي في الحقول بالمنطقة شبيهة بحصص تعذيب للفلاحين، وبدا بعضهم ينفر من الاشتغال في فلاحة أرضه. كما أن الرائحة الكريهة تشكل عنصر طرد للسكان والزوار على حد سواء. والأخطر من ذلك هو التدهور الكبير الذي سجله العقار بالمنطقة التي أصبحت موبوءة. أما من ناحية التشغيل فقد اعطيت الأولوية للعمال القادمين من مناطق بعيدة خاصة من تطوان أو بعض الجماعات الأبعد، بينما لم يشغل من أبناء المنطقة إلا بأعداد محدودة أو بشكل مؤقت كنوع من ذر الرماد في العيون لتهدئة الغضب المتنامي بين السكان.

إن هذه الأضرار البيئية والاقتصادية الخطيرة التي تنتج عن هذا المطرح، والخروقات التي ترافق تشغيله يطرح سؤالا عريضا عن حقيقة الشعارات البراقة التي رافقت تسويق توطين المشروع بتراب جماعة صدينة، رغم أنف السكان ومستشاريهم الجماعيين، باعتباره سيشكل قيمة مضافة للمنطقة في التشغيل. وتعكس حجم اللامبالاة التي يتعامل بها المسؤولون عن هذا الملف تجاه الكارثة التي تضرب منطقة صدينة، في تجاهل تام لمضمون خطب صاحب الجلالة عن الجدية في تدبير الشأن العام.

لقد شكلت هذه الاختلالات الكثيرة موضوعا ساخنا بدورات المجلس الجماعي لجماعة صدينة، الذي يتولى رئيسه منصب النائب الثاني لرئيس مجموعة الجماعات صدينة للبيئة. وقد تعرض لنقد شديد من المستشارين لما اعتبروه تراخيا منه عن الاضطلاع بمسؤولياته في الدفاع عن مصالح السكان وفرض احترام دفتر التحملات في شقها البيئي والتنموي. غير أن رئيس المجلس فجر فضيحة كبرى عندما اعترف في الدورة العادية التي عقدها يوم 15 ماي 2024 أن المطرح أنجزت أشغاله وانطلق العمل في تفريغ النفايات به منذ مدة تزيد عن سنة وهو لايتوفر على رخصة قانونية بذلك. وقد تم إثبات هذه التصريحات في محضر الدورة. ولحد الساعة لم تتحرك أي جهة رسمية لتكذيب هذا التصريح أو إعلان فتح تحقيق حول هذه الخروقات القانونية والبيئية التي تلتصق بمشروع أريد له أن يكون نموذجا. كما أن رئيس مجموعة الجماعات لم يكلف نفسه بحضور إحدى هذه الدورات لتقديم الأجوبة عن أسئلة المستشارين ومن ورائهم السكان المتضررون.

كرة الثلج تكبر الآن مع تزايد معاناة السكان وصمت المسؤولين، وغياب أي تفاعل مع مطالب المستشارين الجماعيين، ومراسلات جمعيات المجتمع المدني التي تواجه الإهمال. والمبادرة الآن خرجت بالسكان بشكل عفوي ومكثف إلى الاحتجاج في الشارع العام بعدما بلغ القهر مبلغه. فقد نفذ السكان وقفة احتجاجية حاشدة أمام بوابة المطرح يوم 27 غشت، أعقبتها الوقفة الحاشدة يوم الأحد 8 شتنبر في عين المكان. وكلاهما غاب عنهما المسؤولون عن المطرح سواء من الشركة أو مجموعة الجماعات صدينة للبيئة، وسجل حضور السلطة المحلية لحفظ النظام الذي اضطلعت به على أكمل وجه. وقد عبر السكان في المحطتين معا عن معاناتهم بمستوى راق ومسؤول يعكس نبل وعفوية الفلاح الشمالي، تناقض طينة المسؤولين الانتهازيين الذين ابتليت بهم المنطقة يحضرون في المحطات الانتخابية وتوزيع الغنائم ويختفون عندما تدق ساعة الحقيقة لحل المشاكل وجلب المصالح.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!