تواصل الفوضى في الوكالة الوطنية للمياه والغابات: قطع أشجار مشبوهة في غابة بوسكورة وإدارة النواصر غائبة
تواصل الفوضى في الوكالة الوطنية للمياه والغابات: قطع أشجار مشبوهة في غابة بوسكورة وإدارة النواصر غائبة
في تطور جديد يضاف إلى سلسلة الفضائح التي عرفتها الوكالة الوطنية للمياه والغابات، تتكشف فضيحة أخرى في غابة بوسكورة، حيث تتعرض هذه الغابة الطبيعية، التي تعد المتنفس الوحيد لسكان إقليم النواصر ومدينة الدار البيضاء، لتجاوزات خطيرة. مع بداية تنفيذ استراتيجية تشجير غابات المغرب التي تمتد بين عامي 2020 و2024، بدا واضحاً حجم الفشل والتخبط في تطبيق هذه الاستراتيجية، حيث تم قطع الأشجار الخضراء بشكل عشوائي في هذه الغابة، ما يطرح العديد من الأسئلة حول طريقة تدبير المشاريع البيئية في البلاد.
قدرت الأرقام الرسمية أن عملية تشجير 250 ألف هكتار من الغابات في إطار هذه الاستراتيجية كانت قد حققت نسبة نجاح بلغت 60% فقط، أي ما يعادل 150 ألف هكتار، وهو ما يعكس عجزاً بنسبة 40% عن الهدف المعلن. في الوقت الذي يتوجب فيه بذل جهود مضاعفة لإعادة تأهيل الغابات الوطنية، تبدو الوكالة الوطنية للمياه والغابات في غفلة تامة عن عمليات قطع الأشجار في غابة بوسكورة، ما يثير المزيد من التساؤلات حول مدى جدية الاستراتيجية وأهدافها.
في الوقت الذي كانت فيه المديرة الإقليمية للوكالة قد صرحت بأن العملية تقتصر على قطع الأشجار الميتة والمتساقطة، فوجئت الأوساط الحقوقية بعمليات قطع شملت أشجاراً خضراء سليمة. هذا التلاعب الواضح دفع عدة جمعيات حقوقية إلى تقديم شكايات للسلطات المحلية، مطالبة بفتح تحقيق في هذا الموضوع، خصوصاً بعدما تبين أن الشركة التي فازت بالصفقة لم تلتزم بالشروط المنصوص عليها في العقد.
على إثر الشكاوى المقدمة، تم إرسال لجنة مختلطة تضم السلطات المحلية والمصالح الأمنية إلى عين المكان، ونتيجة لزيارة اللجنة تم توقيف الأعمال من قبل الشركة المنفذة للمشروع. ورغم قرار إيقاف الأشغال، إلا أن الشركة حاولت استئناف العمل مرة أخرى، ما دفع السلطات إلى التدخل مجدداً لإيقاف الأشغال. ويثير هذا العبث والتراخي من قبل الإدارة الإقليمية للمياه والغابات عدة تساؤلات حول فاعلية الرقابة الإدارية على هذه المشاريع البيئية الحساسة.
من الواضح أن إدارة الوكالة غائبة تماماً عن متابعة سير الأشغال وتقييم مدى الالتزام بالشروط والضوابط. وهذا يفتح الباب للتساؤل عن مصير المساحات التي تم قطع الأشجار منها، وعن جدوى أي استراتيجية وطنية تهدف إلى حماية البيئة إذا كانت الإجراءات التنفيذية لا تراعي هذه المبادئ.
ولعل الأهم من ذلك هو السؤال حول المسؤولية التي تتحملها الوكالة الوطنية للمياه والغابات في ظل هذه الفوضى الإدارية. هل سيتم محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات؟ وهل ستسعى الإدارة المعنية إلى معالجة الأضرار التي لحقت بالغابة من خلال إعادة تشجير المساحات المتضررة؟ هذا ما يظل غير مؤكد، ويجب أن تبقى الأيام القادمة حاملة للإجابة على هذه الأسئلة.
في إطار هذا الوضع المعقد، يواصل الفاعلون الجمعويون في مجال البيئة تحركاتهم من أجل التصدي لهذه التجاوزات. ويعتزم عدد من الجمعيات المهتمة بالشأن البيئي اتخاذ خطوات عملية من أجل محاربة الفساد داخل الوكالة، خاصة بعد أن تم تسريب معلومات حول سرقة الأخشاب المتساقطة في الغابة. كما أن النقص الكبير في عدد الحراس المكلفين بحماية الغابة يزيد من تعقيد الوضع، حيث لا تكفي الأعداد القليلة من الحراس لحماية هذه المساحات الشاسعة من التعديات المتكررة.
للأسف، هذه الغابة، التي كانت في يوم من الأيام رمزاً للبيئة الصحية والملاذ الآمن للكائنات الحية، أصبحت اليوم مرتعاً للمتسكعين وملاذاً للنفايات. ورغم الشكاوى المستمرة من الجمعيات والسلطات المحلية، لا يبدو أن هناك أي تحرك جدي من قبل الإدارة الإقليمية لإعادة تشجير المساحات المقطوعة أو لتنظيم حملات نظافة مع جمعيات المجتمع المدني. هذه الفوضى المستمرة تعكس غياب الرؤية الإستراتيجية للوكالة الوطنية للمياه والغابات وتكشف عن حجم العبث الذي يطبع الإدارة المحلية لهذا القطاع الحيوي.