مجتمع

تأجيل جلسات المحاكمات يهدر الزمن القضائي ويجر انتقادات على المحامين

تأجيل جلسات المحاكمات يهدر الزمن القضائي ويجر انتقادات على المحامين

داخل المحكمة الزجرية الابتدائية بعين السبع في الدار البيضاء توافد عدد من المواطنين على قاعات الجلسات، نساء ورجالا وشبابا، قاصدين القاعات حيث من المنتظر أن تبت هيئة الحكم في ملفاتهم، الثلاثاء.

بضعة محامين على رؤوس الأصابع كانوا وسط بهو المحكمة، بين الفينة والأخرى يقصد بعضهم هذه القاعة أو تلك، وسرعان ما يغادرونها، بعد تأكدهم من غياب زملائهم بسبب احتجاجهم على مشروع قانون المالية لسنة 2023.

داخل القاعة رقم 8 الكل ينتظر لحظة ولوج القاضي، رئيس الهيئة، وأملهم أن تصدر أحكام مخففة أو بالبراءة عن المتهمين من أقاربهم.

طال الانتظار، ليرن جرس المحكمة، ويقف الجميع، فيشرع القاضي في فتح الملفات واحدا تلو الآخر. كان كثير من الجالسين بالقاعة يأملون إنهاء محنة الذهاب والإياب بصدور حكم كيفما كان، لكن القاضي كان له رأي آخر. رئيس الهيئة يؤخر الملفات إلى غاية الثلاثاء المقبل، سادس دجنبر.

جلست بجانب رجل في الخمسينات من عمره، غلبه الزمان وطيش الأبناء، وهو الذي غلب الأمواج بحكم عمله كبحار؛ تجاذبنا أطراف الحديث ونحن ننتظر دخول الهيئة إلى القاعة. بدا الرجل متذمرا ويبكي حظه العاثر، وكيف تقاذفته أمواج الزمن لتلقي به داخل المحكمة، منتظرا خبرا سارا عن ابنه المعتقل.

كان الرجل يأمل عقد الجلسة التي سيحاكم فيها ابنه المعتقل، لكن غياب هيئة الدفاع جعل الوضع يزداد تعقيدا، ليستمر ابنه رهن الاعتقال.

استغرب الرجل وهو يحدثنا لجوء المحامين إلى الإضراب والتسبب في وقف الجلسات قائلا: “دابا حنا ولادنا يبقاو في الحبس حتى يجيو المحامين!!”، ليضيف: “ولكن ولدي لي يستاهل، لي وصلنا لهنا”.

ويؤكد البحار ذاته أن قرار المقاطعة الذي اتخذه المحامون ضد الحكومة لم يراع مصلحة المعتقلين، الذين تتأخر ملفاتهم بشكل أسبوعي دون أن يسمعوا الأحكام من طرف المحكمة.

غادرت القاعة، صوب أخرى، تغيرت الوجوه، لكن المشهد واحد؛ ترقب وانتظار وتأخير للملفات إلى تواريخ لاحقة. محامية وحيدة كانت تسجل أرقام ملفات وتطلب التأخير لغياب زملائها، بينما يتحسر مواطنون بعضهم قطع مسافات طويلة للحضور إلى المحكمة.

مواطن حضر لمعرفة مآل ملف شقيقه المعتقل في سجن “عكاشة” رفض هو الآخر تأجيل الجلسات إلى وقت لاحق لغياب المحامين.

يتحدث هذا الرجل بمرارة وهو القادم من ليساسفة بالدار البيضاء عن رفضه لجوء المحامين إلى الإضراب على حساب مصالح المتهمين، لاسيما المعتقلين احتياطيا.

وأوضح المتحدث ذاته، بعدما جرى تأجيل قضية شقيقه، أن المواطنين لا يجب أن يظلوا هكذا ورقة يتم استعمالها من طرف المحامين ضد الحكومة، داعيا إياهم إلى حل مشاكلهم دون توظيف المعتقلين.

على مستوى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء لم يختلف الوضع كثيرا، حيث تحولت المقاهي المجاورة إلى فضاء لتجمع المحامين وموكليهم.

واحد من المواطنين كان يجلس رفقة سيدتين بطاولة قريبة مني لم يخف تأييده قرار المقاطعة المتخذ من طرف المحامين ضد قانون المالية.

يؤكد هذا الرجل أن المحامين يدافعون عن المواطنين بهذه الخطوة، وإلا فإن زيادات سيتم احتسابها على الموكلين في حال المصادقة على قانون المالية.

واعتبر المتحدث نفسه أن الزيادة سيكون المواطن مجبرا على تأديتها، الأمر الذي سيرهق كاهله، وسيجعل بعض المواطنين غير قادرين على الولوج إلى العدالة، خصوصا في قضايا مثل قضايا الأسرة.

محاكم مشلولة، ومواطنون متذمرون، ومصالح معطلة؛ مشهد يومي تعرفه مؤسسات القضاء هذه الأيام، أمام استمرار احتجاج أصحاب البذلة السوداء على الحكومة، في انتظار انتصار الحكمة والحوار لوقف هدر الزمن القضائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock