الصويرة نموذج رائد في التحول الطاقي بفضل الرياح والطاقة المتجددة
![](https://akhbarlyaoum24.ma/wp-content/uploads/2025/02/c873xc-780x470.jpg)
الصويرة نموذج رائد في التحول الطاقي بفضل الرياح والطاقة المتجددة
تسعى مدينة الصويرة، المعروفة بـ”مدينة الرياح”، إلى الانخراط بشكل جاد في التحول الطاقي الوطني، حيث استغلت موقعها الجغرافي المميز ومؤهلاتها الطبيعية لتعزيز استخدام الطاقات المتجددة. المدينة التي كانت دائمًا مقصدًا سياحيًا بفضل شواطئها وجوها المعتدل، أصبحت الآن أحد الأقطاب التي تعتمد على الرياح كمصدر للطاقة. منذ سنوات عديدة، أصبحت هذه المدينة مرجعية في هذا المجال، مستفيدة من سرعة الرياح العالية التي تهب على سواحلها وسهولها.
وبفضل الرياح السائدة في المنطقة، والتي تتراوح سرعتها بين 17 و24 كيلومترًا في الساعة، استثمرت الصويرة في مشاريع الطاقة الريحية كوسيلة لتلبية احتياجاتها الطاقية، ومن بينها محطة “أمكدول” للطاقة الريحية التي تم تدشينها في عام 2007. هذه المحطة تمثل خطوة كبيرة في إطار التزام المغرب بتعهداته البيئية تحت بروتوكول “كيوتو”، حيث تساهم بشكل فاعل في إنتاج طاقة نظيفة دون التأثير على البيئة.
بفضل هذه المشاريع الطاقية، أصبحت الصويرة من الأقاليم الرائدة في مجال الطاقة المتجددة. محطة “أمكدول” تعتبر بمثابة نقطة انطلاق للطاقة الريحية في المنطقة، حيث تحتوي على 71 مروحة رياح بإجمالي قدرة تصل إلى 850 كيلووات، مما يسمح بإنتاج 210 جيغاواط ساعة سنويًا، وهي كمية كافية لتزويد الآلاف من المنازل بالكهرباء مع تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 136 ألف طن سنويًا. هذا التقدم البيئي يعكس قدرة الصويرة على مواكبة تطورات التحول الطاقي في المملكة المغربية.
وفي خطوة أخرى نحو تأكيد التزامها الطاقي، تم تدشين محطة “جبل لحديد” في أكتوبر الماضي، وهي تقع على بُعد 15 كيلومترًا من مدينة الصويرة. هذه المحطة تحتوي على 54 مروحة رياح بقدرة 5 ميغاواط لكل مروحة، مما يعزز قدرة الإقليم على إنتاج الطاقة المتجددة بشكل مستدام. المحطة الجديدة تتميز بأنها تساهم في تغطية احتياجات مدن كبيرة مثل مراكش أو فاس، حيث يتوقع أن يصل إنتاجها السنوي إلى 952 جيغاواط ساعة، كما سيسهم في تقليل انبعاثات الكربون بنحو 580 ألف طن سنويًا.
تُعد هذه المشاريع الكبرى جزءًا من استراتيجية واسعة تهدف إلى تحقيق التحول الطاقي في الصويرة. مع التركيز على التكوين المهني والبحث العلمي، تسعى المدينة إلى تعزيز الابتكار في هذا المجال عبر المبادرات التعليمية. في هذا السياق، تلعب المدرسة العليا للتكنولوجيا بالصويرة، التابعة لجامعة القاضي عياض، دورًا محوريًا في تطوير المهارات والكفاءات اللازمة في قطاع الطاقات المتجددة. فهي تقدم برامج تعليمية مخصصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة، بهدف تكوين جيل من المهندسين والتقنيين القادرين على تلبية احتياجات السوق الطاقي المتزايدة.
تؤكد الأستاذة خلود كاهيم، من جامعة القاضي عياض، أن هذه البرامج تسهم في تدريب الطلبة على أحدث التقنيات في مجال الطاقات المتجددة. هذه البرامج لا تقتصر فقط على التعليم الأكاديمي، بل تشمل أيضًا التعاون مع الشركات الوطنية والدولية، وكذلك مراكز البحث، لتوفير فرص التدريب والتطبيق العملي. من خلال هذه التعاونات، يكتسب الطلاب خبرات حقيقية في إدارة محطات الطاقة الريحية، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، بالإضافة إلى تطوير حلول مبتكرة لاستغلال الموارد الطبيعية المتجددة.
من جانب آخر، لم تقتصر الجهود الطاقية في الصويرة على المشاريع الكبرى فقط، بل شملت أيضًا التوعية البيئية. حيث لعب المجتمع المدني، ممثلًا في جمعية “موغا غرين”، دورًا مهمًا في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة. الجمعية تعمل جنبًا إلى جنب مع مؤسسات أخرى لتعزيز الوعي البيئي بين السكان المحليين، من خلال تنظيم ورش عمل وندوات تركز على التحديات المناخية والطاقة المتجددة. هذه الأنشطة تهدف إلى نشر ثقافة الحفاظ على البيئة وتحفيز المواطنين على المشاركة الفعالة في التحول الطاقي.
تؤكد جمعية “موغا غرين” في تصريحات رئيسها هشام أكورد أن الهدف هو بناء ثقافة بيئية حقيقية بين أفراد المجتمع، ليصبح كل شخص جزءًا من الحل. هذا التعاون بين المجتمع المدني والقطاع التعليمي يساهم في خلق بيئة مستدامة تواكب التحديات البيئية المقبلة.
تظل الصويرة، إذن، بمشاريعها الطاقية، وتوجهها البيئي، ونموذجها المبتكر في التعليم، مثالًا يحتذى به في مجال التحول الطاقي، حيث تدمج بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.