الدورة الربيعية للبرلمان المغربي: ثلاثة أسئلة للباحث حسن أهويو
الدورة الربيعية للبرلمان المغربي: ثلاثة أسئلة للباحث حسن أهويو
يفتتح البرلمان المغربي بمجلسيه (النواب والمستشارين) يوم الجمعة المقبل، دورته الثانية برسم السنة التشريعية 2022 – 2023، والتي تكتنفها رهانات وتحديات سياسية، اقتصادية واجتماعية تسائل الأدوار التشريعية والرقابية والتقييمية لمؤسسة البرلمان ومدى تجاوبها مع متطلبات وإكراهات المرحلة.
في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يستعرض الباحث المتخصص في القانون الدستوري والبرلماني، حسن أهويو، أبرز هذه الرهانات.
1- ما أبرز سمات السياق الوطني الذي تنعقد فيه الدورة التشريعية الثانية؟
إن سياق هذه الدورة لا يختلف عن السياق العام للدورات السابقة برسم الولاية التشريعية الحالية، فهو موسوم بارتفاع الأسعار ، وبأجواء يطبعها نوع من التشنج الذي قد يربك فرص تثمين الاختلاف بين الفرقاء لتعزيز الثقة في المؤسسات وترسيخ المسؤولية المشتركة التي تنتج النجاح للوطن والمواطنين.
كما أن هذه الدورة مقيدة بضرورة تركيز الجهد الجماعي حول ثلاثة أبعاد انسجاما مع الخطاب الملكي السامي الافتتاحي لأول دورة من الولاية، ويتعلق أولها بتحصين السيادة الوطنية الصحية والطاقية والغذائية لتعزيز الأمن الاستراتيجي للبلاد، وثانيها مواصلة انعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار المنتج، وثالثها بإطلاق مشاريع وإصلاحات جديدة لتنزيل النموذج التنموي.
2- ماهي الرهانات التي تكتنف هذه الدورة ؟
الرهانات عموما متعددة ومتجددة وبالغة الأهمية وتفرض مضاعفة مجهود المؤسسة البرلمانية وتعزيز أدائها وتعاونها في مجالات التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما يحقق مساهمتها المثمرة في معالجة إشكاليات ارتفاع الأسعار وندرة المياه وعوائق الاستثمار وغيرها، فضلا عن إثبات فعالية هياكلها وتفاعلها وقدرتها على تقديم الحلول لمختلف القضايا التي تؤرق المواطنات والمواطنين ولا تقبل مزيدا من الانتظارية والتعويم في جدل عقيم.
أما من جهة مقاربة هذه الرهانات والانتظارات من زاوية الوظائف الدستورية للبرلمان فنشير إلى ما يلي:
أولا: الرهانات التشريعية ، حيث يمكن الإشارة إلى رهان تجاوز الكوابح المصلحية التي عرفتها بعض النصوص التشريعية وتفعيل مسطرة التشريع المتعلقة بها، ونخص بالذكر ما يهم تنظيم الإضراب وتعديل قانون الصحافة والنشر ومكافحة الاضطرابات العقلية، ورهان استكمال دراسة النصوص التشريعية ذات الطبيعة التقنية والتي لا تثير في غالبيتها جدلا سياسيا، بالإضافة إلى النصوص الأخرى التي ستعرض بعد مصادقة الحكومة عليها كمشروع قانون تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، دون أن ننسى الرهان المتعلق باستكمال المنظومة التشريعية التي تهم مؤسسات الحكامة، وذلك بتسريع إخراج النص القانوني المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج، تطبيقا لأحكام الفصل 163 من الدستور.
كما يتعلق الأمر بالدفع بتفعيل باقي الالتزامات التشريعية المهمة، كإصلاح القانون الجنائي والمسطرتين المدنية والجنائية ومدونة الأسرة، ومراجعة مدونة الشغل واعتماد قانون للنقابات، وكذا تعزيز المنظومة التشريعية لتكريس المنافسة الاقتصادية المواطنة والمتوازنة وحماية الأمن الغدائي.
أما بخصوص المبادرات التشريعية البرلمانية، وحيث نسجل انتظام دورية انعقاد الاجتماعات الحكومية المخصصة لدراسة مقترحات القوانين لتحديد موقف حكومي بشأنها، فإننا من جهة أخرى نثير رهان برمجة تقديم ومناقشة هذه المقترحات على مستوى البرلمان، بغض النظر عن مضمون الموقف الحكومي بشأنها، و تجاوز عقدة الهاجس الكمي في المبادرات البرلمانية، لأن الأهم هو جودتها وجديتها القانونية والمجتمعية.
ثانيا: الرهانات الرقابية ، إذ يستمر الرهان المتجدد بشأن التطلع لرفع دينامية وجاذبية جلسات الأسئلة البرلمانية، من حيث جودة القضايا والمواضيع التي تعالجها. فبالنسبة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، فمن المفترض أن تخصص جلساتها الشهرية لمناقشة مواضيع حيوية سبق إدراج التزامات بشأنها في البرنامج الحكومي والتي تكتسي مراقبتها البرلمانية وتتبعها المجتمعي أهمية كبرى، كحماية وتوسيع الطبقة الوسطى، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وكذا تعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص.
أما الأسئلة الموجهة للوزراء، فيتعين مواصلة دينامية جلساتها الأسبوعية بنفس سياسي يثري النقاش العمومي في قضايا تستأثر باهتمام كبير، مع تجنب التكرار والطابع الروتيني في فحوى الأسئلة وأجوبتها، علما أن هذه الدورة هي كذلك مناسبة لتقييم نجاعة مستجدات النظام الداخلي التي تهم عقلنة تناول الكلام في إطار نقطة نظام في إطار المقصد الرقابي الدستوري للجلسات.
علاوة على ذلك، يعد رفع نسبة الأسئلة الكتابية المجاب عنها من لدن الوزراء وتجويد مضامينها رهانا دائما في ظل هيمنة وتزايد الاعتماد البرلماني على هذه الآلية الرقابية وتعذر التقيد المطلق والكامل بالأجل الدستوري المحدد للجواب عنها. مع الإقرار بأهمية الجهد المبذول لاستدامة التطور الإيجابي في نسب الأسئلة المجاب عنها.
أما على مستوى اللجان الرقابية، فمن المفترض أن تعكف على مناقشة مواضيع رقابية وطارئة وعاجلة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وتستوجب إلقاء الضوء عليها، مع أهمية رفع جاهزية للتجاوب مع طلبات الفرق والمجموعات النيابية بشأنها باعتبارها فرصة مهمة للوقوف على الأداء الحكومي والاصغاء لوجهات النظر المتعددة ولمقترحات الحلول الممكنة.
وعلاقة بالمهام الاستطلاعية المؤقتة للجان الرقابية، فإن هذا الدورة فرصة مواتية لاستكمال مسطرة عرض ومناقشة تقارير المهام الاستطلاعية المتعلقة بتنظيم عملية مرحبا وشبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، على مستوى الجلسة العامة لاطلاع الرأي العام على نتائجها واقتراحاتها لتعزيز المجهود الحكومي، مع استكمال مهام استطلاعية أخرى ومنها ما يهم وضعية الأحياء الجامعية.
وبشأن الاختصاص البرلماني في مجال تقييم السياسات العمومية ، ي توقع عقد الجلسة الدستورية السنوية المخصصة بمجلس النواب لتقييم “الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة” وبمجلس المستشارين لتقييم “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، فضلا عن مواصلة أشغال مجموعات موضوعاتية مؤقتة مكلفة بتقييم السياسات في محاور تتعلق بندرة الماء وتنفيذ قانون محاربة العنف ضد النساء، و الأشخاص في وضعية إعاقة، و”التنمية الجهوية ومناخ الأعمال” بالنسبة لمجلس المستشارين، وذلك بهدف بلورة الرؤية البرلمانية للتعامل معها ومعالجتها، علما بأن هذا الاختصاص الحيوي يستوجب مزيدا من العقلنة والمهنية العلمية وتجويد التقارير وتركيز توصياته في نقط محددة بدقة وقابلة للتنفيذ. كما نثير الرهان المتعلق بمناقشة التقارير السنوية لأعمال مؤسسات وهيئات الديمقراطية التشاركية والحكامة والضبط فيما بين أعضاء كل من المجلس والحكومة، لتمكين الرأي العام من معرفة زوايا النظر البرلماني في الجلسة العامة، كما هو شأن أعمال المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ومجلس المنافسة والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.
3- ما تقييمكم لدور المعارضة البرلمانية؟
لابد من الإشارة إلى جسامة المسؤولية الدستورية المنوطة بالمعارضة البرلمانية للمساهمة بفعالية في إبداع أجود الحلول الممكنة لمختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطنين.
وإذ يتعذر استبعاد تأثير الكوابح القانونية والذاتية والموضوعية المقيدة لمبادرات المعارضة، فإنه توجد رهانات متعددة مفتوحة أمامها لتثمين فرص الارتقاء بأدائها وتفعيل دورها الدستوري في المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. بيد أن هذا الرهان الدستوري والسياسي يقتضي بذل مجهود مضاعف من لدن فرق ومجموعة المعارضة البرلمانية للقرب من المواطن والتواصل المستمر معه وتقديم الحلول والأجوبة السياسية المقنعة بخطاب قوي الارتباط ومتحرر من توازن الحسابات الحزبية والسياسوية. وبالإجمال، فإن تحديات ارتفاع الأسعار والإكراهات المتعددة ينبغي أن تشكل فرصة مواتية لمضاعفة وتجويد أداء التشريع والمراقبة والتقييم ولإثبات نجاعة المؤسسة البرلمانية وقدرتها على استيعاب نبض المجتمع بحلول مواطنة وناجعة. كما أن تعزيز المبادرات البرلمانية والسياسية للمعارضة وعدم تحجيم حريتها ودورها الدستوري والوطني، يعد دلالة على حيوية الحوار المؤسساتي وشرطا لتأمين بناء النموذج التنموي التعددي والديموقراطي.