مجتمع

الاحتباس الحراري يجتاح المدن الإيطالية

الاحتباس الحراري يجتاح المدن الإيطالية

يوم 9 يوليوز الجاري على الساعة الثالثة بعد الزوال ملايين الأطنان من الجليد والصخور تسقط بسرعة مصحوبة بانفجار يصم الآذان من أعلى قمة في جبال الألب الإيطالية.

سقوط اهتزت له شبه الجزيرة الإيطالية من جديد على وقع الصور المرعبة لهذا الانهيار الثلجي، بعد تعرضها لموجات حر مبكرة وحرائق متكررة وجفاف لم يسبق له مثيل.

وهكذا، نتيجة الاحتباس الحراري، تعيش إيطاليا على وقع كوارث طبيعية بالجملة، بشكل أسرع وأقوى مما كان يخشاه الخبراء. وتعد بالفعل، سنة 2022 من بين السنوات الأكثر حرا في تاريخ إيطاليا، حيث يعيش الإيطاليون على وقع أيام شديدة الحرارة وليالي خانقة، فقد وصلت موجة الحر هذه السنة “مبكرا بشكل غير اعتيادي، تحت تأثير المرتفع الآ زوري الإفريقي”. وخلف شهر يوليوز الذي يقترب من نهايته سلسلة من الظواهر الجوية القاسية.

وشهدت العاصمة الإيطالية خلال أربع وعشرين يوما 4 حرائق كبيرة، وأتت ألسنة النيران على المباني وهكتارات من الأراضي والفضاءات الخضراء العمومية التي واجهت مصيرها لوحدها حتى التهمتها النيران.

وعلى بعد 700 كيلومتر من روما تمت دعوة سكان إقليم فريولي فينيتسيا جوليا بالشمال الشرقي لإيطاليا إلى عزل أنفسهم بسبب الدخان الكثيف المنبعث من الحريق الذي نشب يوم الثلاثاء بإقليم كارسو.

وفي الطرف الآخر للبلد بكامبانيا، ما يزال رجال الإطفاء يقاومون من أجل إخماد الحرائق المستعرة في سان فليس وسيانو وأربايا. كما هو الحال في أوروبا، اشتعلت حرائق الغابات في مجموعة من أقاليم إيطاليا منذ بداية الأسبوع، بينما واصلت درجات الحرارة الارتفاع، حيث بلغت 40 درجة مائوية في مناطق كثيرة شمال البلد، وكذلك في بوليا والجنوب وسردينيا وصقلية.

من بين العواقب الخطيرة لارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية: ذوبان الجليد. فقد حطم جبل المارمولادا الجليدي”ملك الدولوميت”، الواقع على بعد 170 كيلومترا شمال فينيتو، يوم انهياره رقما قياسيا بوصول الحرارة ل10 درجات مائوية على قمته.

كما أثار هذا الانهيار المروع للمارمولادا صدمة في البلد، خاصة أنه جاء في الوقت الذي يعاني منه شمال البلد من أسوء موجة جفاف منذ سبعين سنة. وأول ضحايا هذه المأساة المناخية هو نهر بادي الذي يمد شمال إيطاليا بالماء، حيث قارنت صور للأقمار الصناعية للوكالة الأوروبية للفضاء حالة النهر في سنوات 2020 و2021 و2022، والنتيجة كانت “مقلقة”.

إذ انخفض صبيب نهر بادي بنسبة 80 بالمائة، و أصبحت المياه العادمة الآتية من البحر الأدرياتيكي تغطي 30 كيلومترا داخل الآراضي، بينما أغلب محطات توليد الطاقة الكهرمائية تتحرك ببطء، وبعضها توقف مثل تلك الموجودة في جزيرة سيرافيني بالقرب من ميلانو. وتشكل هذه الوضعية خطرا على التزود بالماء الشروب والفلاحة والأمن الطاقي المهدد أصلا بفعل النزاع في أوكرانيا.

وأمام هذا الوضع قامت الحكومة الإيطالية بإنشاء صندوق خصص له مبلغ 36,5 مليون أورو، وإعلان حالة الطوارئ إلى غاية 31 دجنبر في خمس جهات بالشمال، وهي إميليا-رومانيا، وفريولي فينيتسيا جوليا، ولومبارديا، وفينيتو، وبييمونتي.

سيمكن هذا الإجراء من اعتماد “وسائل وسلطة استثنائية” لضمان القيام بالتدخلات الضرورية لمواجهة حالات الطوارئ المناخية. وتم الإعلان أيضا عن إجراءات لترشيد استعمال المياه في أكثر من 200 مدينة.

كما تم وضع شاحنات صهريجية في سهل نهر بادي، بينما تم إفراغ النافورات وإيقافها في ميلانو. حيث بات الانحباس الحراري يفرض قواعده. وأصبحت هذه الوضعية مشتركة بدرجات متفاوتة، خاصة في الدول الأوروبية التي وقعت ضحية لموجة حر شديدة.

ويبدو أن التحديرات التي أطلقها العلماء منذ عدة سنوات بدأت تتحقق، حيث أضحت آثار الانحباس الحراري ملموسة، وأصبح التهديد شيئا فشيئا حقيقة تقض مضجع دول العالم، خاصة إيطاليا التي تعاني أيضا من سقوط الحكومة ودين عمومي ثقيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!