الدعوة إلى وضع استراتيجيات عربية مشتركة على الصعيد السياسي
الدعوة إلى وضع استراتيجيات عربية مشتركة على الصعيد السياسي
دعا المشاركون في أشغال النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية (تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية)، التي استضافها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، يوم الأربعاء، بمدينة مراكش، إلى وضع استراتيجيات عربية مشتركة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني، بما يخدم مصالح الدول العربية ويعزز مواقفها، وتموقعها الاستراتيجي.
وأوصى المشاركون في هذا المنتدى، الذي نظم تحت عنوان “العالم العربي أمام التحديات العالمية الجديدة”، في ما يخص تموقع العالم العربي في الخريطة الجيو – سياسية الجديدة ،ب”ضرورة قيام دول عربية محورية بتحريك العمل العربي المشترك وقيادة السفينة العربية في عالم مطبوع بخاصيات أربع : الغموض، والتوجس، والمجهول واللايقين”، مما “يحتم على الدول العربية وضع استراتيجيات مشتركة على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني، وكذا آليات فعالة من أجل بلورة مواقف موحدة تخدم مصالح الدول العربية وتعزز مواقفها وتموقعها الاستراتيجي، أمام القوى العظمى الحالية والمستقبلية، وكذا الصمود في وجه تدخلاتها واختراقاتها”.
كما أوصى المشاركون في المنتدى ب”تطوير استراتيجيات جديدة في الدول العربية تتلاءم مع التحديات الأمنية المستجدة في العصر الرقمي، بما يحمله من تغيرات في حسابات القوى وزيادة التركيز على الأمن السيبيراني، باعتباره مرتبطا بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي، وتعزيز قدرات العالم العربي على إنتاج أسلحة الأمن السيبيراني، تمكنه من تحقيق أهدافه في الفضاء الافتراضي- السيبيراني”.
ودعوا، في السياق ذاته، إلى “تكييف الدول العربية لعلاقاتها مع القوى العظمى من أجل الحفاظ على سيادتها واستقلالها الاستراتيجي”، وإلى “إنشاء هيأة عربية عليا يكون من مهامها وضع مقترحات للتقارب بين الحكومات، ولتقويض الشرخ العقائدي- الإيديولوجي”، و”تقديم اقتراحات في هذا الصدد، تكون قادرة على بناء الأسرة العربية الموحدة”.
وفي ما يتعلق بالآفاق الجيو – اقتصادية، أوصى المشاركون ب”تفعيل التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية، لخلق أسواق أكثر فساحة وبلورة استراتيجية لخلق سلاسل القيمة الإقليمية، وكذا إنجاز برامج اقتصادية مشتركة، من قبيل مشروع مارشال عربي يشمل قطاعات مختلفة، ويساهم في جمع الشمل العربي، وفي تحسين تموقع الدول العربية في سلاسل القيمة العالمية”.
ودعوا، أيضا، إلى “تكثيف التعاون من أجل بناء اكتفاء ذاتي عربي، وتحقيق السيادة في المجالات الإستراتيجية الحيوية، مثل الأمن الغذائي والمائي، مما يترتب عنه ضرورة معالجة ندرة المياه وتحصين الأمن الغذائي بالعمل العربي المشترك، والأمن الصحي بما في ذلك إنتاج الأدوية واللقاحات”، حيث أشاد المشاركون، في هذا الصدد، بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاحات، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في شهر يوليوز 2021، والذي سيساهم في تحقيق السيادة اللقاحية على المستوى الوطني والإقليمي.
وعلى صعيد متصل، أوصوا بتكثيف التعاون في مجالات التطور العلمي والتكنولوجي والصناعي، والطاقات المتجددة، ومصادر الطاقة الوطنية، وفي البحث بهدف تحديد تأثيرات تغير المناخ على المنطقة العربية بشكل خاص، ونهج سياسة حازمة تتوخى التكيف مع هذه الظاهرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الخاصيات الطبيعية والاقتصادية والديمغرافية للمنطقة، ومتطلبات المسار التنموي، خاصة في ما يتعلق بالتطور الصناعي وتحديث طرق الفلاحة، قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي على المستوى الغذائي والحفاظ على الموارد المائية والطبيعية.
وبخصوص وضع المواطن في صلب الحكامة، أوصى المشاركون ب”إعادة ترتيب الأولويات في معظم الدول العربية، وذلك عن طريق وضع العنصر البشري في صلب السياسات العمومية، وإعطاء خدمات الرعاية الصحية والوقائية والعلاجية أهميتها المستحقة”.
كما دعوا إلى “ترسيخ أسس الحكامة الجيدة، وذلك عبر تطبيق إصلاحات في الأنظمة والقوانين، وإرساء نظام للمحاسبة العادلة ووضع مخططات عربية للتدخل السريع في حالات الاستعجال، ورسم إستراتيجية تعليمية – تربوية – ثقافية عربية قائمة على أهداف واضحة، من بينها تعزيز قيم المواطنة بما يحصن كيان الدولة الوطنية، وكذا الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية والتضامن الوثيق في ما بين الجميع، بالإضافة إلى بث مفاهيم وقيم التسامح وقبول الآخر والعيش المشترك، وترسيخها في التركيبة المجتمعية”.
وشددوا، في السياق ذاته، على أهمية “وضع خارطة طريق عربية متكاملة للبحث العلمي – التكنولوجي، متناسقة مع أهداف الاستراتيجية التعليمية – التربوية – الثقافية”.
ومن جهة أخرى، أعرب المشاركون في المنتدى عن تقديرهم عاليا للدور الريادي الذي تلعبه المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في إطلاق ودعم كل المبادرات التنموية والتضامنية الهادفة إلى تطوير الشراكة بين بلدان العالم العربي.
كما أشادوا بالرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سنة 2018 إلى المشاركين في ندوة “الشيخ زايد ودوره في بناء العلاقات المغربية – الإماراتية”، التي انعقدت في مدينة الرباط، وسلطت الضوء على” ضرورة التضامن بين البلدان العربية، عملا بصدق وإخلاص، على توفير شروط العمل الثنائي والعربي المشترك، لمواجهة التحديات، التي تقف أمام شعوبنا”.
وقال المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، السيد محمد توفيق ملين، في كلمة، بالمناسبة، إن “النجاح الذي عرفته النسخ السابقة لمنتدى تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية، بالنظر إلى عمق النقاش وأهمية التوصيات المترتبة عنه، أبان عن الدور المهم لمراكز الفكر ببلداننا كقوة اقتراحية في مجال السياسات العمومية، خصوصا في هذه المرحلة الحاسمة، التي تتخللها تحولات هيكلية على كافة الأصعدة”.
وأكد أن “موضوع هذه الندوة يكتسي أهمية بالغة مع تفاقم الأزمات التي يعرفها العالم، والتي أضحت تهدد استقرار العالم العربي ومساره التنموي. فقد كَشَفَت الاضطرابات البنيوية والنظمية التي عرفتها السنوات الأخيرة عن الطابع المتقلب وغير المؤكد والمعقد والغامض (VUCA) للعالم، مما يستدعي إعادة النظر في الخيارات التنموية، وتعزيز التعاون الإقليمي، قصد رفع التحديات التي تواجه العالم العربي”.
وأشار إلى أن مطلع القرن الحادي والعشرين تميز باندلاع سلسلة من الأزمات، لعل أهمها “التدهور السريع للمناخ، والأزمة المالية الدولية لسنتي 2007- 2008 ، وجائحة (كوفيد- 19)، والنزاع المسلح في أوكرانيا”، مبرزا أنه “تسنى للمغرب اجتياز هذه الأزمات بفضل القيادة الرشيدة والمتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس”.
وخلص السيد ملين إلى القول إن “النظرة المستقبلية لمختلف عوامل التغيير الحالية تمكن من رصد بعض الآفاق التي من شأنها إعادة هيكلة العالم، ممثلة في مناخ دولي تحكمه القوة ويشهد بزوغ أخطار جديدة، وإعادة هيكلة العولمة لأجل التأقلم مع الطابع المتقلب، والمعقد، والغامض للعالم، وكذلك مع التغير المناخي، والتحول المجتمعي وإعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمواطن”.
وتجدر الإشارة إلى أن أشغال النسخة العاشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، التي شارك فيها نخبة من المفكرين والباحثين ينتمون إلى عدد من مراكز الفكر والثقافة في العالم العربي، وعلى الخصوص، بكل من المغرب، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والأردن، والبحرين، والكويت، ومصر، واليمن، توزعت على ثلاث جلسات تناولت محاور “ظرف جيو – سياسي جديد”، و”آفاق جيو – اقتصادية جديدة”، و”المواطن في صلب الحكامة”.