سياسة

إسرائيل بين الأزمات والحروب المستمرة قراءة في التحولات القادمة

إسرائيل بين الأزمات والحروب المستمرة قراءة في التحولات القادمة

نورالدين توزيط _ الدار البيضاء

لم أكن مهتما بالشأن الإسرائيلي من قبل، لكن أحداث طوفان الأقصى دفعتني للاهتمام أكثر من أي وقت مضى، فإسرائيل التي تمتلك مئات مراكز التحليل في مختلف المجالات، لا يعرف عنها جيرانها سوى القليل، أما نحن البعيدين عنها، فلا تشغلنا سوى أخبار عدد الشهداء والأحداث الأمنية المتفرقة داخلها.
بدأت بالاطلاع على مقالات كتبها مؤلفون أجانب، بعضهم بريطانيون وكنديون وأمريكيون، لجمع ما يمكن من معلومات بعضها قيل عنه سري وأخرى تافهة طبعا.
اتضح لي خلال هذه الرحلة، أن العرب يواجهون الهزيمة المحتومة لأنهم كتاب مفتوح لإسرائيل، التي تعرف مذاهبنا وأحزابنا وقومياتنا وتاريخنا، بينما نحن لا نبذل جهدا كافيا لفهمها أو مواجهة حقيقة وجودها.
خلال بداية طوفان الأقصى، قرأت مقالة لكاتب يهودي أمريكي أشار فيها إلى أن إسرائيل تقف على أعتاب “لعنة العقد الثامن” وأنها تعيش أزمة وجودية، وهو ما أكده نتنياهو لاستمالة الرأي العام الأمريكي.
إلا أن الأهم في هذا المقال هو الاتجاه العالمي الذي يشير إلى أن إسرائيل ستواجه حروبا لا تنتهي، فحزب الله لم يقضى عليه، وجيش الجولاني وإن بدى الوضع تحت السيطرة، فمن يضمن استمراره على نهج السلم؟ خاصة وأن الحركات الإسلامية تستخدم قضية فلسطين للحشد وكسب الدعم، وسيعود إليه الجولاني بشكل حتمي بمجرد أن تتمكن حركته المسلحة من السيطرة على دواليب الحكم.
هذا الوضع غير المستقر سيدفع اليهود غير المتدينين إلى الهجرة بحثا عن الأمان، وستتحول إسرائيل إلى دولة دينية متشددة تستقطب من جميع أنحاء العالم العناصر التي يصعب عليها التعايش في مجتمعات متعددة الثقافات.
في ظل هذا الواقع ستتجه الاستثمارات الأجنبية والإسرائيلية تدريجيا من اسرائيل نحو دول حوض البحر الأبيض المتوسط، التي قد تصبح البديل الاقتصادي الأمثل لإسرائيل، لذا لن يكون غريبا أن تستقطب هذه الدول شركات عملاقة لإنتاج السلاح والتقنيات وتصديرها لتمويل حروب المستقبل.
لن أستغرب إن تحولت زيارة الإسرائيليين إلى أوطاننا إلى مادة إعلامية دسمة، ستستخدم لتلميع صورتهم وتقديم روايات جديدة لوجودهم، بل قد نشهد قريبا توجها نحو تسليط الضوء على وقائع تاريخية غامضة ليستولي عليها اليهود، ويتم تصويرهم كأبطال لها في إطار لإعادة تشكيل السرد التاريخي لصالحهم.
في ضوء هذه التحولات والتوجهات تبرز أمامنا فرص كبيرة في فهم أعماق الواقع الإسرائيلي وتحليل مستقبله في ظل الأزمات المستمرة.
سيكون للنخب دور حاسم في بناء وعي جماعي يعيد تقييم المعركة السياسية والإعلامية مع إسرائيل، وسيمنحنا فهم هذه التحولات القدرة على اتخاذ مواقف استراتيجية أكثر قوة.
لكن مع هذه الفرص تظل هناك مخاوف حقيقية من أن تكون المنطقة في مواجهة تحديات أكبر، و ستزداد تعقيدا مع تزايد محاولات إعادة كتابة التاريخ وفرض الرواية الإسرائيلية.
لن يكون المستقبل قريبا ولا سهلا فإسرائيل في سعيها المستمر لتلميع صورتها وإعادة تشكيل الواقع لصالحها قد تجد من يتعاون معها في إعادة صياغة الأحداث.
وهذا يتطلب منا أكثر من أي وقت مضى، أن نكون يقظين وأن نستعد لحماية هويتنا الثقافية والتاريخية، وضمان ألا نقع في فخ استراتيجيات إعلامية تهدف إلى تحريف الحقائق وتوجيه الرأي العام لصالح قوى تسعى إلى الاستمرار في تكريس واقع مصلحي يتجاهل مصالحنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!