سياسة

بوصف تعليقا على الخطاب الملكي..المغرب يحتاج اليوم لكل أبنائه داخل وخارج الوطن

بوصف تعليقا على الخطاب الملكي..المغرب يحتاج اليوم لكل أبنائه داخل وخارج الوطن

قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة يُعيد طرح تراتبية أولويات القضايا الكبرى للبلاد أمام المؤسسة التشريعية، مضيفا أن “الخطاب الملكي يعود لتحديد مرتكزات أساسية في إطار المخطط الوطني الجديد للماء، كضرورة اعتماد التكنولوجيا الحديثة في مجالات اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وترشيد استغلال المياه الجوفية”.

وأشار بوصوف، في مقال له بعنوان “الماء والاستثمار.. أولويات وطنية”، إلى أن “الملك أكد على أهمية الاستثمار المنتج وحسنات الميثاق الوطني للاستثمار لجذب الرأسمال الوطني والقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية”، مذكّرا بأن “المغرب يحتاج اليوم لكل أبنائه من داخل الوطن ومغاربة العالم، من أجل كسب رهان التحديات، سواء المناخية بالاستفادة من تجربة الكفاءات الوطنية من مغاربة العالم، أو تحديات متغيرات العلاقات الدولية الراهنة والتحديات الجيوستراتيجية”.

هذا نص المقال:

لا تزال حاضرة في المخيال المغربي مآسي سنوات العجاف والجفاف في عشرينيات القرن الماضي، كما لا تزال حاضرة سنوات الجفاف الطويلة في الثمانينيات وما رافقها من نفوق آلاف من رؤوس المواشي وخصاص كبير في المواد الغذائية، وقد كانت سببا في بدايات التفكير الجدي في سياسات جديدة للماء، أطلق بموجبها المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه سياسة بناء السدود.

اليوم، يُعيد خطاب جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة لسنة 2022، طرح تراتبية أولويات القضايا الكبرى للبلاد أمام المؤسسة التشريعية، مذكرا إياها بأدوارها الدستورية فيما يخص مجالات التشريع والتقييم والمراقبة، وهو تأكيد للانشغال الملكي بإشكالية الماء منذ اعتلائه العرش، وباعتبار الماء عنصرا أساسيًا في كل عمليات التنمية وضروريا لكل المشاريع والقطاعات الإنتاجية، إذ نجد أن بعض الإحصائيات تتكلم عن استهلاك المياه بنسبة 70 بالمائة في المجال الزراعي، وبنسبة 19 بالمائة في المجال الصناعي.

المؤتمرات العالمية للمناخ بخصوص إشكالية الماء واعتبارها ظاهرة كونية لها علاقة بالتغيرات المناخية وارتفاع عدد السكان، سواء تلك انعقدت بفرنسا أو المغرب أو غلاسكو أو غيرها، كما يتوقع أن تحظى بالاهتمام نفسه في المؤتمر القادم بمصر، أي “كوب 27” نهاية سنة 2022.

لكن الارتفاع المخيف للأرقام وحالة الجفاف الأكثر صعوبة بالمغرب منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود دقا ناقوس الخطر وجعلا الحاجة ماسة إلى اتخاذ تدابير استباقية منذ شهر فبراير الماضي لمكافحة آثار الجفاف لتوفير الماء للشرب وحماية الثروة الحيوانية وتقديم مساعدات للفلاحين. هذا بالموازاة مع إخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020-2027. كما ذكر الخطاب ذاته بالاستمرار في سياسة بناء السدود، حيث تم إنجاز 50 سدا، إضافة إلى 20 سدا في طور الإنجاز.

وكعادة كل الخطابات الملكية، فبعد عملية التشريح الواقعي لإشكالية الماء والجفاف وندرة المياه والوقوف على حالة الإجهاد المائي الهيكلي، يطرح البدائل وفق مقاربة تشاركية تتحمل فيها المسؤولية كل مكونات المجتمع المغربي من حكومة ومؤسسات ومواطنين، حيث يصبح غير كاف بناء التجهيزات المائية كالسدود وشبكات الربط المائي البيئي ومحطات تحلية مياه البحر.. لكن ضرورة تغيير سلوك الاستهلاك والقطع مع كل أشكال التبذير

وهنا يعود الخطاب لتحديد مرتكزات أساسية في إطار المخطط الوطني الجديد للماء كضرورة اعتماد التكنولوجيا الحديثة في مجالات اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وترشيد استغلال المياه الجوفية، والتأكيد على أن سياسة الماء لا تخص قطاعا أو مؤسسة بعينها، بل هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات، ويأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية، التي تتجاوز التكاليف المالية إلى تكاليف قد تمس بالأمن المائي والغذائي والثروة الغابوية والحيوانية.

أكثر من هذا فإن الخطاب ذاته أكد على منزلة إشكالية الماء وجعلها خارج كل المزايدات السياسية وبعيدة عن كل مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية. كما أكد على أهمية الاستثمار المنتج وحسنات الميثاق الوطني للاستثمار لجذب الرأسمال الوطني والقطاع الخاص وأيضا الاستثمارات الأجنبية، وما يتبع ذلك من توفير فرص الشغل وموارد مالية تخصص لتمويل البرامج الاجتماعية والتنموية.

ومرة أخرى وبمقاربة تشاركية أشرك الخطاب كل المؤسسات والمتدخلين على الصعيد المركزي أو الترابي وطاقات القطاع الخاص، التي اعتبرها المحرك الحقيقي للاقتصاد الوطني في مسلسل التعبئة والتحلي بروح المسؤولية للنهوض بقطاع مصيري لتقدم البلاد، ومن أجل تحقيق تعاقد وطني للاستثمار حدد سقف أهدافه في تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات وخلق 500 ألف منصب شغل بين سنتي 2022 و2026.

ويحتاج المغرب اليوم إلى كل أبنائه من داخل الوطن ومغاربة العالم من أجل كسب رهان التحديات، سواء المناخية بالاستفادة من تجربة الكفاءات الوطنية من مغاربة العالم، أو تحديات متغيرات العلاقات الدولية الراهنة وتحديات جيوستراتيجية وتحالفات سياسية واقتصادية كبرى على ضوء تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا وأزمة الطاقة وسياسات منظمة أوبيك بلوس، بالإضافة إلى تحديات تحسين صورة المغرب بالخارج وجعله محل جذب للاستثمارات الأجنبية وللسياحة العالمية.. وهي مجالات برعت فيها العديد من كفاءات مغاربة العالم، ومنها مجالا الماء والاستثمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!