التأثير المحدود للتمارين الرياضية على حرق السعرات الحرارية وكيفية فهمه بشكل صحيح

التأثير المحدود للتمارين الرياضية على حرق السعرات الحرارية وكيفية فهمه بشكل صحيح
عند الحديث عن فقدان الوزن، غالبًا ما نربط التمارين الرياضية بشكل مباشر بحرق السعرات الحرارية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا في هذا المفهوم، حيث بدأ البعض يتساءل عن مدى فعالية التمارين الرياضية في حرق السعرات الحرارية مقارنةً بما كان يعتقده الجميع. على الرغم من الشعبية الكبيرة لهذا الاعتقاد، فإن الدراسات الحديثة تظهر أن تأثير التمارين على استهلاك الطاقة قد لا يكون كما نتصور.
تمت دراسة هذا الموضوع بشكل مفصل في تقرير علمي نشره موقع “ساينس أليرت”، والذي اعتمد على مراجعة علمية أجراها أستاذ علم وظائف الأعضاء البشرية ديلان تومسون وأستاذ التغذية والتمارين الرياضية خافيير جونزاليس من جامعة باث. وكان الهدف من هذه الدراسة تسليط الضوء على المفهوم السائد بأن التمارين الرياضية تزيد بشكل كبير من عملية حرق السعرات الحرارية. تبين أن الفكرة الأساسية التي يتم ترويجها ليست دقيقة تمامًا، بل قد تكون خرافة تحتاج إلى إعادة نظر.
في البداية، تطرق التقرير إلى فرضية عالم الأنثروبولوجيا هيرمان بونتزر، الذي قدم في عام 2012 نظرية تتعلق بالحدود القصوى لحرق السعرات الحرارية في الجسم البشري. وفقًا لبونتزر، فإن زيادة النشاط البدني لا يعني بالضرورة حرقًا أكبر للسعرات الحرارية، حيث يقوم الجسم بتعويض ذلك عن طريق تقليص استهلاكه للطاقة في العمليات البيولوجية الأخرى مثل التمثيل الغذائي أثناء الراحة.
في كتابه “الحرق” الذي صدر عام 2021، أضاف بونتزر تفاصيل جديدة حول هذه الفرضية، مشيرًا إلى أن الجسم يحرق السعرات الحرارية ضمن نطاق محدود للغاية يتراوح حول 3000 سعر حراري في اليوم، بغض النظر عن مستوى النشاط البدني. بناءً على هذه النظرية، فإن بونتزر يشير إلى أن مستويات النشاط الجسدي اليومية ليس لها تأثير كبير على إجمالي عدد السعرات الحرارية التي يحرقها الجسم.
مقارنةً بهذه الفرضية، أظهرت أبحاث أخرى وجود تأثير محدود على حرق السعرات الحرارية نتيجة ممارسة التمارين الرياضية. فبينما لا يمكن إنكار أن التمارين قد تساهم في زيادة استهلاك الطاقة، فإن هذه الزيادة غالبًا ما تكون أقل بكثير من التوقعات الشعبية.
في دراسة رصدية مثيرة للاهتمام على قبيلة هادزا، التي تعد واحدة من آخر المجتمعات التي تعتمد على الصيد وجمع الثمار في إفريقيا، لوحظ أن أفراد القبيلة لم يكن لديهم مستوى استهلاك طاقة أكبر من الأشخاص العاديين في المجتمعات الغربية. هذه الملاحظة دعمها بونتزر في فرضيته، حيث أظهر أن النشاط البدني الشاق لم يترجم إلى حرق أكبر للسعرات الحرارية بشكل يومي.
وبالرغم من هذه النتائج، فإن العلماء لم يتفقوا تمامًا مع فرضية بونتزر. في عام 2023، تمت مراجعة هذه الفرضية من خلال بيانات وملاحظات علمية أخرى، وأظهرت النتائج أن الاستهلاك اليومي للطاقة قد يختلف بشكل ملحوظ بين الأشخاص، وقد يصل الفرق إلى أكثر من 1000 سعر حراري يوميًا بين الأفراد في نفس الفئة العمرية. وهذا يتناقض مع فرضية بونتزر التي تشير إلى حد أقصى ثابت للسعرات الحرارية التي يمكن أن يحرقها الجسم يوميًا.
من جانب آخر، أظهرت الدراسات العشوائية الخاضعة للرقابة تأثيرات مباشرة للتمارين الرياضية على زيادة حرق السعرات الحرارية. تشير هذه الدراسات إلى أن ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم ومراقب، مثل خمس مرات أسبوعيًا لمدة تتراوح بين ستة إلى عشرة أشهر، يمكن أن تزيد من استهلاك الطاقة بشكل يومي. وهذا التأثير كان واضحًا على جميع الفئات العمرية، من الشباب إلى كبار السن.
على الرغم من هذه التأثيرات، فإنه من المهم أن نتفهم أن الزيادة في حرق السعرات الحرارية نتيجة للتمارين الرياضية ليست دائمًا بنفس الحجم الذي يتوقعه البعض. في الواقع، من غير المحتمل أن يؤدي حرق 600 سعر حراري في صالة الألعاب الرياضية إلى زيادة مماثلة في إجمالي حرق السعرات الحرارية اليومية. ببساطة، تتفاوت هذه الزيادة حسب الأشخاص وظروفهم البدنية.
تظهر الدراسات أيضًا أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على هذا التقدير. مثل استبدال النشاط البدني أو التأثيرات السلوكية التي قد تقلل من النشاط البدني في الأيام التالية لممارسة الرياضة. هذا يشير إلى أنه قد يتم تعويض التمارين الرياضية ببعض السلوكيات اليومية التي تقلل من استهلاك الطاقة.
السبب في هذا التفاوت يكمن في سوء الفهم المنتشر حول تأثيرات التمارين الرياضية. فحتى لو بدا التمرين صعبًا أو مكثفًا، فإنه يشكل جزءًا صغيرًا من اليوم. على سبيل المثال، خمس ساعات من التمارين في الأسبوع تمثل حوالي 4% فقط من وقت الاستيقاظ المعتاد. لذلك، لا يمكن أن تساهم هذه النسبة البسيطة في تغيير كبير في إجمالي عدد السعرات الحرارية المحروقة بشكل يومي.
في النهاية، قد يكون من المفيد إعادة النظر في التصورات الشائعة حول تأثير التمارين الرياضية على فقدان الوزن. رغم أن الأدلة العلمية تؤكد أن التمارين يمكن أن تساهم في حرق السعرات الحرارية، إلا أن هذه الزيادة قد تكون أقل من المتوقع.