فن وثقافة

مسرح رياض السلطان في طنجة: تجربة فنية ثقافية مستدامة ومنجزات مبهرة

مسرح رياض السلطان في طنجة: تجربة فنية ثقافية مستدامة ومنجزات مبهرة

منذ انطلاقته قبل ثلاث سنوات، أثبت “مسرح رياض السلطان” في طنجة أنه نقطة تحول كبيرة في المشهد الثقافي المغربي. فعلى الرغم من قلة عدد مقاعده الذي لا يتجاوز 130 مقعدًا، إلا أن هذا المسرح استطاع أن يقدم تجربة فنية متنوعة وقوية أثرت المدينة وجذب الجمهور من مختلف الفئات العمرية. بدأ هذا المشروع بجهود جمعية “باب البحر سينما ومسرح” بتعاون مع العديد من الجهات الحكومية المحلية والوطنية، ليكون أول مسرح للقرب في المغرب، ويجمع بين الفنون المختلفة من مسرح وسينما وموسيقى.

لقد قدم مسرح رياض السلطان في غضون ثلاث سنوات أكثر من 60 عرضًا مسرحيًا، و64 عرضًا موسيقيًا، بالإضافة إلى العديد من اللقاءات الثقافية والفكرية، ليؤكد على التزامه بتقديم برامج ثقافية مميزة. وتضمنت هذه الأنشطة الفنية عروضًا من مسرح الكبار والشباب، فضلاً عن ورشات تدريبية حول المسرح والسيرك والرقص المعاصر. واحتضن المسرح أيضًا فعاليات ثقافية محلية ودولية مثل “طنجة فرجة” و”صيف إفريقي”، التي سلطت الضوء على تنوع الثقافة المغربية وأبعادها الأفريقية.

وتجسد قدرة مسرح رياض السلطان على جذب الأنظار من خلال تقديمه للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي تلاقي ترحيبًا واسعًا من قبل الجمهور. ففي ظل محدودية قدرته الاستيعابية، استطاع المسرح أن يستقطب ما يقارب 14,000 مستفيد، حيث سجلت أعداد الزوار تزايدًا ملحوظًا من عام لآخر، مع إشادة كبيرة من الجمهور في 2024 الذي كان الأكثر عددًا. لقد ساهمت هذه الأنشطة في جعل هذا الفضاء الثقافي محطة هامة للفنون في شمال المغرب.

هذا النجاح الكبير لم يكن ليحدث لولا اهتمام مسرح رياض السلطان بالتكوين الفني والتطوير المهني. فقد نظم المسرح عدة ورشات تدريبية في مجالات مختلفة، استهدفت فئات متنوعة من المشاركين، سواء الأطفال أو الشباب أو الكبار. لم تقتصر الورشات على الممارسة الفنية فقط، بل شملت أيضًا التوجيه الأكاديمي والإبداعي للفنانين الجدد، مما أسهم في بناء جيل جديد من المبدعين الذين ستكون لهم بصماتهم في المشهد المسرحي المغربي.

إلى جانب العروض المسرحية والورش التدريبية، أطلق مسرح رياض السلطان العديد من المبادرات التي ساعدت في نشر الثقافة المغربية في الخارج. في إطار هذه المبادرات، نظم المسرح “صيف إفريقي” الذي كان بمثابة جسر ثقافي بين المغرب والدول الإفريقية. هذا الحدث، الذي أقيم في يوليو 2023 و2024، شهد مشاركة فنانين وحرفيين من مختلف البلدان الإفريقية، حيث تم عرض الفنون التقليدية والمعاصرة في جو من التفاعل الفني بين مختلف الثقافات. وقد ساهم هذا التنوع في تعزيز التبادل الثقافي وتعميق الفهم المتبادل بين مختلف الشعوب.

مسرح رياض السلطان لم يكن مجرد مكان للعروض الفنية، بل أصبح منصة لتكريم التجارب المبدعة وتقديم فرص للشباب للإبداع. ففي إطار “أول إخراج مسرحي” الذي نظم ضمن المهرجان الوطني للمسرح، تم تمكين المخرجين الشباب من عرض أعمالهم الأولى. هذا الحدث قدم للشباب فرصة للتواصل مع الجمهور واستكشاف توجهاتهم الفنية. هذا التوجه يعكس رغبة مسرح رياض السلطان في تقديم الدعم للمواهب الناشئة وتهيئة بيئة تشجع على الابتكار والإبداع.

وبالإضافة إلى العروض المسرحية والفنية، كانت لفعاليات “ربيع المسرح المغربي” التي أطلقها مسرح رياض السلطان أهمية خاصة في تسليط الضوء على التجارب المسرحية الجديدة. فقد شهدت نسخته الثانية التي نظمت في مايو 2024 عروضًا مسرحية مبتكرة وتفاعلية أثرت بشكل إيجابي في الجمهور، مما جعل هذا الحدث علامة فارقة في تاريخ المسرح المغربي. هذه الفعاليات أظهرت الجهود المستمرة للمسرح في إثراء المشهد الفني المحلي.

من خلال هذه الأنشطة المتنوعة والتظاهرات الثقافية الغنية، أكسب مسرح رياض السلطان مدينة طنجة صفة مميزة في المجال الثقافي والفني، ليصبح علامة فارقة في تعزيز مكانة المغرب على الساحة الثقافية الدولية. لقد نجح المسرح في تقديم محتوى ثقافي وفني يستهدف جميع فئات المجتمع، مع التركيز على الابتكار، الإبداع، والتفاعل مع الثقافة المحلية والعالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!