منوعات

محاولات سرقة الزليج المغربي بين التزييف الثقافي والاعتراف الدولي

محاولات سرقة الزليج المغربي بين التزييف الثقافي والاعتراف الدولي

لقد كان الزليج المغربي عبر التاريخ أحد أبرز علامات الفن المعماري الذي يعكس ثراء الثقافة المغربية، وقد حظي باحترام كبير على المستوى العالمي. لم يكن الزليج مجرد زينة جمالية للمباني، بل كان يمثل جزءًا مهمًا من الهوية الثقافية للمغرب. وقد شهد هذا الفن لحظة فارقة في عام 1983، حينما تم عرضه بشكل بارز خلال افتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في المغرب. كان الحدث فرصة لإظهار جمال الزليج المغربي، الذي لاقى إعجابًا من جميع الدول المشاركة، بما في ذلك الجزائر. لم تكن هناك أية اعتراضات على كونه جزءًا أصيلًا من التراث المغربي، وهو ما يعكس تقبلًا وتقديرًا لهذا الفن.

من جهة أخرى، شهدت فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة تغيرًا ملحوظًا في مواقف الجزائر تجاه الزليج المغربي، إذ تميزت هذه المرحلة بتقدير كبير لهذا الفن في وسائل الإعلام الجزائرية. فقد تساءلت العديد من الصحف الجزائرية عن أهمية الزليج في الثقافة المغربية وأكدت على أصالته. بل إن الجزائر شهدت خطوات عملية للاعتراف بهذا الفن، حيث استعانت بالحرفيين المغاربة لتنفيذ أعمال ترميمية للمعالم التاريخية مثل قصر تلمسان، الذي يعود تاريخه إلى فترة المماليك المغاربة. وتعتبر هذه الخطوة دليلًا قويًا على قبول الجزائر بأن الزليج جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية.

ومع وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم وتولي السعيد شنقريحة رئاسة أركان الجيش، شهدت الجزائر تغييرات جذرية في المواقف تجاه الزليج المغربي. بدأ بعض المسؤولين الجزائريين يتبنون خطابًا جديدًا يشكك في أصل الزليج، محاولة منهم لتغيير الحقائق التاريخية. هذا التوجه لم يقتصر على الزليج فقط، بل امتد إلى محاولات نسب تقنيات وثقافات أخرى إلى الجزائر. يبدو أن هذه المحاولات كانت تهدف إلى إعادة تشكيل الهوية الثقافية الجزائرية لتتناسب مع التوجهات السياسية للنظام الجديد، لكن التاريخ والحقائق المدونة تبقى شاهدة على زيف هذه الادعاءات.

هذه المحاولات للتشكيك في التراث المغربي تتجاوز الزليج لتشمل ميادين ثقافية أخرى، مما يعكس الأزمة التي يواجهها النظام الجزائري في محاولاته لتأسيس تاريخ جديد. حيث يبدو أن هناك سعيًا جادًا لطمس بعض الحقائق الثقافية والتاريخية التي تزعج النظام. لكن هذه السياسات لم تكن سوى مصدرًا للاحتقان الداخلي ورفضها بشكل قوي من قبل العديد من الأشخاص في الجزائر نفسها، ناهيك عن ردود الفعل الدولية التي زادت من عزلة النظام الجزائري. فالخطاب الثقافي المبني على الزيف والمغالطات قد يضعف مصداقية الدولة، مما يعرض صورتها للخطر في المحافل الثقافية العالمية.

الزليج المغربي لا يزال يحتفظ بمكانته المرموقة على المستوى الدولي، حيث يعكس أصالة وجمال الهندسة المعمارية المغربية. لا يمكن لمجرد ادعاءات أن تشوه حقيقة أن الزليج هو جزء أساسي من التراث المغربي. تتزايد الدراسات التي تؤكد أن الزليج هو من إبداع الحرفيين المغاربة الذين طوروه عبر العصور. هذه الحقائق التاريخية لا يمكن تجاهلها أو تغييرها، وأي محاولات للتهجم على هذه الثقافة لن تزيد إلا من تأكيد حقيقة وجود الزليج المغربي كجزء لا يتجزأ من هوية هذا البلد.

وفي النهاية، فإن محاولات الجزائر لنقل التراث الثقافي المغربي، مثل الزليج، إلى الثقافة الجزائرية تعتبر خطوة غير موفقة تؤدي إلى نتائج عكسية. يظل التراث المغربي، بما فيه الزليج، شاهدًا على غنى الهوية الثقافية للمغرب. محاولات إنكار هذه الحقيقة لن تغير من واقعها، بل على العكس، ستضعف مصداقية النظام الجزائري داخليًا ودوليًا، مما يعزز المكانة الثقافية للمغرب على الساحة العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!