هيئة حقوقية الأحداث المأساوية التي شهدها المعبر الحدودي بين الناظور ومليلية
تقرير هام من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول الأحداث المأساوية التي شهدها المعبر الحدودي بين الناظور ومليلية
تقدمت الجمعية المغربية لحقوق الانسان بتقرير هام متعلق باخر الاحداث المأساوية التي عاش على إثرها المعبر الحدودي بين مدينة الناظور ومدينة مليلية المحتلة خلال الفترة السابقة.
وسلط المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومكتب فرع الجمعية بالناظور الأضواء على الأحداث المأساوية التي عرفتها منطقة الناظور على الحدود مع مليلية المحتلة، بعدما توقف على ما أسماه ب”أهم الخروقات والانتهاكات التي وصلت حد المساس بالحق المقدس في الحياة وسقوط العديد من الجرحى بعضهم إصاباتهم خطيرة والوقوف كذلك على أهم الممارسات التي طبعت سلوك السلطات العمومية في تعاملها مع طالبي اللجوء والمهاجرين قبل وأثناء وبعد الأحداث الأليمة التي شهدها المعبر الحدودي باريو تشينو كما تم توثيقه من طرف عضوات وأعضاء الجمعية بفرع الناظور”.
وأشار تقرير المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومكتب فرع الجمعية بالناظور الى ان رصد وتجميع المعطيات حوله رغم الصعوبات والإكراهات التي تواجه عادة عمل المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المهاجرين/ات وطالبي اللجوء بشكل خاص في ظل التضييق والحصار وصعوبة الولوج إلى المعلومات الحقيقية التي تتكتم عليها السلطات .
وأوضح المكتب ذاته الى أن التقرير تم إنجازه بعد المأساة التي وقعت يوم الجمعة 24 يونيو 2022 على المعبر الحدودي لباريو تشينو بين الناظور ومليلية المحتلة مما أدى إلى وفاة 27 شخصا من طالبي اللجوء على الأقل حيث أن الرقم يظل مرشحا للارتفاع بسبب وقوع العشرات من الجرحى بعضهم إصاباتهم خطيرة بالإضافة إلى العشرات من المفقودين (على الأقل 64 شخصا تم إحصاؤهم من طرف فرع الجمعية بالناظور)، والمئات من المرحلين بالقوة بسبب القمع غير المسبوق للسلطات المغربية بتواطؤ مع السلطات الإسبانية، مردفا انه لفهم أفضل لمأساة الجمعة 24 يونيو 2022 على المعبر الحدودي لباريو تشينو بين بني انصار ومليلية المحتلة، لابد من الرجوع إلى السياق الذي طبع الفترة السابقة لهذا التاريخ على المستوى المحلي والوطني والإقليمي.
على المستوى المحلي، تابع المكتب المذكور أن تميز السياق بتراجع لبعض المؤشرات التي تتعلق بانتهاك حقوق المهاجرين في منطقة الناظور وبسبب تحول مسار الهجرة نحو جزر الكناري بعد تشديد المراقبة على الحدود الشمالية وانتشار وباء كورونا، معتبرا ان السنتين السابقتين 2021 و2020 قد عرفت تراجعا واضحا في عدد الحملات الهجومية للسلطات العمومية المغربية على مخيمات المهاجرين/ات في الغابات حيث تم تسجيل 37 حالة فقط في سنة 2021 مقارنة مع 340 في سنة 2018 مثلا . هذا التراجع سيستمر خلال الثلاث اشهر الأولى لسنة 2022 حيث لم يسجل فرع الناظور أي هجوم على مخيماتهم.
في نفس الفترة ، عرفت محاولات تجاوز الحاجز على مليلية المحتلة تصاعدا واضحا بحوالي 1050 محاولة سنة 2021 مقابل 120 فقط سنة 2019 وهو أعلى رقم يتم تسجيله منذ سنة 2014، يضيف ذات التقرير.
ووقف المكتب نفسه على هاته الوضعية التي استمرت طيلة فترة جمود العلاقات بين المغرب وإسبانيا المطبوعة بتراجع الهجمات على مخيمات المهاجرين/ات وارتفاع عدد محاولات اجتياز السياج ستتغير بشكل جذري مع نهاية مارس 2022 مع بداية التطبيع في العلاقات بين البلدين.”وهكذا تصاعدت الهجمات على مخيمات المهاجرين/ات وتراجعت محاولات اجتياز السياج شهري أبريل وماي إلى حدود 24 يونيو. 31 حملة هجوم ومطاردة على المهاجرين/ات في الغابة من طرف السلطات المغربية خلال مدة 84 يوم فقط وهو ما يشكل مجموع الهجمات التي سجلتها سنة 2021 بكاملها في حين لم تسجل أية محاولة لاجتياز السياج المحيط بالمدينة المحتلة”
كما سجلت الهيئة المذكورة ان وضعية المخيمات قبل 24 يونيو 2022″بداية شهر يونيو تجمع حوالي 1500 مهاجر/ة في مخيمات الخميس القديم و بكويا وتم استعمال الطيارات بدون طيار من طرف السلطات من أجل مراقبة أعداد وتحركات للمهاجرين/ات وقد كانت حملات مطاردتهم من طرف السلطات خلال 18 يوما شبه يومية من أجل دفعهم للرحيل عن المنطقة، حيث تم تحريك فئات مختلفة من السلطات العمومية مثل الدرك والبوليس المتنقل بالإضافة إلى القوات المساعدة وأعوان السلطة وقد اتسمت هاته الحملات بالعنف حيث كان المهاجرون/ات يتعرضون للمطاردة والاعتقال كما تعرضت مخيماتهم للتدمير وحاجياتهم للحجز أو الحرق لم تسلم منها حتى المواد الغذائية. وقد سجلت الهجمات الأكثر شراسة أيام 7-15 أبريل يوم 23 ماي وأيام 17 إلى 20 يونيو ويوم 23 يونيو حيث تم رصد تحرك واسع للسلطات العمومية من أجل إفراغ المخيمات من المهاجرين/ات وطالبي اللجوء الذين كانوا متواجدين بغابتي بكويا والخميس القديم”.
وزادت نفس العيئة قائلة ان اذا ” لم تعرف بداية هاته الفترة أي رد فعل من طرف المهاجرين/ات حيث كانوا يغادرون المخيمات ويعودون إليها بعد رحيل السلطات لكن ابتداء من 23 ماي سيبدأ المهاجرون/ات في مقاومة السلطات باستعمال الحجارة في حين كانت تستعمل هاته الأخيرة الغازات المسيلة للدموع مما أدى إلى سقوط جرحى في الجانبين واعتقال العديد من طالبي اللجوء الذين لا زالوا متابعين أمام القضاء . وقد كان أفراد القوات العمومية يتلقون الإسعافات داخل المستشفى في حين يعود الجرحى من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى الغابة خوفا من الاعتقال وهي الفترة الوحيدة التي استعمل فيها المهاجرون الحجارة ضد القوات العمومية كرد فعل على العنف الممارس عليهم بشكل شبه يومي من طرف السلطات العمومية المغربية التي كانت تدمر كل شيء وتضيق الخناق عليهم، فإن قسوة الممارسات الشبه يومية على المهاجرين/ات رغم تواجدهم البعيد نسبيا عن المنطقة الحدودية مع مليلية المحتلة(حوالي 20كلم)، وصلت ذروتها عندما طلبت السلطات، منذ تقريبا منصف شهر ماي، من التجار القريبين من المخيمات عدم بيع اي شيء للمهاجرين/ات بما فيها المواد الغذائية، كما تم قطع الماء عن الحنفية التي كانوا يتزودون بالماء منها. إن هذا الحصار يعكس بشكل واضح الممارسات غير الإنسانية اتجاه المهاجرين/ان وطالبي اللجوء ويكرس بقوة دور الدركي الذي يلعبه المغرب مباشرة بعد تطبيع علاقاته مع إسبانيا، مما دفع المئات من طالبي اللجوء ليلة 18 يونيو للتنقل إلى المنطقة الجنوبية لجبل كوروكو ولم تتوقف السلطات طيلة 5 أيام التالية عن مطاردتهم لمنعهم من البقاء في المخيم الذي يبعد بحوالي 6 كلم عن الحدود مع مليلية المحتلة”.
وأكدت الهيئة ذاتها على ان يوم 23 يونيو كان الأكثر قساوة ورعبا بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء، حيث تم الهجوم عليهم من طرف المئات من عناصر الدرك، القوات المساعدة وأعوان السلطة التابعين لوزارة الداخلية. بعد تحذيرات السلطات لهم بإخلاء المكان خلال 24 ساعة، ثم قامت بمهاجمتهم حوالي الساعة التاسعة صباحا نشبت على إثرها اشتباكات عنيفة بين الطرفين مع استعمال كثيف للقنابل الدخانية ولم تتوقف حرب مطاردتهم إلا في حدود الساعة السادسة مساء بعد تراجع المهاجرين إلى جبل آخر.
صنفت الهيئة نفسها ان جنسيات المهاجرين وطالبي اللجوء من المشاركين في محاولة اجتياز السياج كانت اغلبية المشاركين فيها هم من مناطق تعرف نزاعات وحروب من السودان وجنوب السودان وتشاد من حقهم حسب القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف لحقوق اللاجئين الاستفادة من الحماية الدولية لكن من أجل وضع طلب اللجوء والاستفادة يجب عليهم أولا القفز على حواجز شائكة خطيرة وتجاوزهم لحدود تعرف عسكرة قوية، إنهم طالبوا لجوء يتواجدون بالمغرب منذ أشهر أو سنوات أتوا إليه بعد أن اجتازوا الجزائر وقبلها المسار الطويل لليبيا من أجل وضع طلب اللجوء لدى المفوضية السامية للاجئين عبر من يمثلهم في وجدة لأن المكتب الوحيد للمفوضية يوجد بالرباط.
وبالنسبة لأحداث يوم الجمعة 24 يونيو 2022 اوضح المصدر ذاته انه على طول المسار من أعلى كوروكو إلى الحدود دامت رحلة 1500 من طالبي اللجوء نحو ساعة من الزمن، لم تعترض السلطات العمومية طريقهم من أجل وقف مسيرتهم أو تفريقهم حتى بعد أن مروا قرب ثكنة للقوات المساعدة .ويبدو أنهم كانوا ينتظرون وصولهم إلى سياج مليلية المحتلة من اجل مواجهتهم وهنا يكمن سؤال مهم ، لماذا استعملت السلطات كل الوسائل من اجل إبعادهم في الأيام السابقة ولم تتدخل عندما كانوا يتقدمون نحو السياج؟ لا يمكن تفسير هذا التحول في استراتيجية السلطات إلا بكونها كانت تريد الاستفادة مما يتيحه لها الموقع الجغرافي وبعد أن يتخلص طالبوا اللجوء من العصي والحجارة التي كانوا يحملونها، وهو ما كان بدون شك وراء ارتفاع عدد الضحايا من الموتى والجرحى والمعتقلين والمرحلين، وهو ما يؤكد أن طالبي اللجوء كان لهم هدف واحد هو اجتياز الحدود وليس الدخول في مواجهات مع السلطات العمومية المغربية. وهو ما يعني كذلك أن هاته الأخيرة كان لها هدف آخر وهو أن تبرهن لشريكها الإسباني إلى أي مدى يمكن أن تستعمل كل الوسائل من أجل وقف تدفق المهاجرين عندما تكون العلاقات جيدة بين الرباط ومدريد.
وأشارت الى ان الهدف كان واضحا من أجل إثبات أن المغرب يمكن أن يمر من وضع “متساهل” حيث أن محاولات اجتياز الحواجز الشائكة أيام 2-3 و8 مارس كانت أكبر عددا حيث شارك فيها حوالي 2500 مهاجر ولم يكن هناك أي ضحية من الموتى بل فقط بعض الجرحى واستطاع 900 منهم الوصول إلى المدينة المحتلة في وقت جمود العلاقات بين البلدين. بعد عودة العلاقات بينهما كانت الكارثة يوم 24 يونيو 2022 مع سقوط العشرات من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين ولم يتمكن سوى 133 من طالبي اللجوء من اجتياز الحواجز الشائكة.
بدون ادنى مشكل أبرز المصدر ذاته ان طالبي اللجوء وصلوا إلى الحاجز حوالي الساعة التاسعة صباحا ثم حاولوا فتح البوابة الرئيسية ثم بدأوا في تسلق الحواجز بدون هلع ولا تدافع . ثواني بعد ذلك أخذت القوات العمومية المغربية مواقعها بعيدا على الطريق المداري الذي يحيط بالسياج ثم بدأت في الهجوم على المهاجرين باستعمال الحجارة والقنابل الدخانية ومن تم بدأ تساقط أولى الضحايا بين المهاجرين بسبب الاختناق او الإصابة بالحجارة قبل التدخل المباشر للسلطات .ومن الواضح أن عنف السلطات المغربية ضد المهاجرين (الذين تخلوا عن العصي والحجارة التي كانوا يحملونها من قبل) لم تكن ردة فعل على عنف المهاجرين المسلحين (حسب الرواية الرسمية) ولكن كان لمنعهم باي شكل من الأشكال وبأي ثمن من الوصول إلى مليلية المحتلة.
بعد ذلك ورغبة منهم في الفرار من القمع والتدخل العنيف للسلطات في المعبر الحدودي باريو تشينو وفي محاولة أخيرة منهم للوصول إلى السياج بدأ التدافع الخطير خاصة مع عدم وضوح الرؤيا بسبب الغازات المسيلة للدموع التي تم استخدامها بشكل كثيف وبسبب الخوف والهلع بدأ تساقط المهاجرين من أعلى السياج وهو ما كان وراء الحصيلة الثانية للقتلى المحاصرين بالدخان بما فيهم أولئك الذين كانوا معلقين بأعلى السياج قبل أن تعطى الأوامر للهجوم المباشر عليهم حوالي الساعة العاشرة والنصف.
في ذروة هذا العنف ضد المهاجرين لم يتم وصول سيارات الإسعاف من أجل إنقاذ الجرحى أو نقلهم إلى المستشفى حيث بقي تركيز السلطات على تعنيف المهاجرين من اجل منعهم من الوصول إلى مليلية المحتلة . لكن المرحلة الصادمة سيتم هي تلك التي سيعيشها المهاجرون بعد قيام السلطات المغربية بكل تلك الممارسات المهينة والحاطة من الكرامة الإنسانية حيث بعد التدخل المفرط في القوة من طرف مئات الأعوان من الذين سيمارسون العنف مباشرة على أجساد الضحايا(ضرب وركل وضرب بالحجارة) رغم أن بعضهم كانوا يتنفسون بصعوبة، وكان بعضهم الآخر جريحا أو منهارا تماما وفي نفس الوقت استمر جزء آخر من القوات العمومية في رمي الحجارة على المهاجرين المتسلقين للسياج مما أدى إلى سقوطهم قبل أن يتم سحلهم إلى نقطة تمركز الضحايا في رقعة أرضية لا تتجاوز 200 متر مربع ، حيث كانوا مكدسين فوق بعضهم البعض وشوهد بعضهم بدون حراك أو تنفس ولم تتوقف السلطات عن الرمي بالمهاجرين الذين جلبتهم أمام وخلف السياج في تلك الرقعة الضيقة رغم نداءات الاستغاثة وأنين الجرحى من المهاجرين إلا أن السلطات استمرت في تقييد أيديهم وضربهم لمدة ساعات دون أدنى تدخل من أجل إسعاف الجرحى حسب الشهادات التي استقاها فرع الناظور من المهاجرين المرحلين وهو ما مكنه من التعرف على أولى الضحايا ويتعلق الأمر بقصي اسماعيل عبدالقادر، محمد معمون عيسى، عبد الرحيم عبد اللطيف علي (حنين) وعبد العزيز يعقوب (أنور).
يتوفر فرع الناظور على 20 تسجيلا مصورا يبين مدى همجية السلطات اتجاه مهاجرين عزل تم تداول جزء منها فقط وهي توضح بما لا يدع مجالا للشك عدم تقديم المساعدة للجرحى وعدم إخلاء الموتى من طرف أعوان السلطة الذين كانوا يحيطون بهم، بل استمرت في جلب الجرحى من داخل السياج ورميهم فوق رفاقهم. بعض مقاطع الفيديوهات تثبت استعمال الغازات المسيلة للدموع والقنابل البلاستيكية من طرف البوليس المغربي والحرس المدني الإسباني ضد طالبي اللجوء عنما كانوا محاصرين في داخل المعبر الحدودي باريو تشينو . هذا التدخل العنيف كان بدون شك وراء ارتفاع أعداد الضحايا الذين سقطوا بفعل الاختناق وتبين بالملموس مدى التعاون المغربي-الإسباني في انتهاك حقوق المهاجرين/ات حيث اختلطت الغازات المسيلة للدموع من الجانب الإسباني بتلك التي استعملت من طرف السلطات المغربية .
وقد استمر هذا الوضع لأكثر من ساعتين قبل حضور 4 سيارات إسعاف حوالي الساعة الحادية عشر والنصف التي بدأت أولا بإجلاء الجثت قبل الجرحى الذين كانوا ينزفون ولم يتم نقلهم إلا بعد مرور الكثير من الوقت حيث تم تسجيل وصول آخر سيارة إسعاف حوالي الساعة التاسعة مساء أي بعد تسع ساعات لم يتلق الجرحى خلالها أية إسعافات سواء من الطرف المغربي أو الإسباني.
حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال ستم تحريك 9 حافلات من أجل ترحيل حوالي 500 مهاجر بينهم جرحى (قبل وصول سيارات الإسعاف التي لم يتعد عددها الأربعة )، إلى مناطق مختلفة( بني ملال، قلعة السراغنة، شيشاوة… ) عبر تاوريرت-مكناس-بني ملال –مراكش-شيشاوة على طول 890 كلم مما يعني أنهم بعضهم قضى حوالي 12 ساعة في هاته الرحلة دون أن يتم تقديم الطعام أو تمكينهم من الإسعافات الأولية والأدوية .بعض المهاجرين سيتم نقلهم من طرف أصدقائهم أو من طرف مواطنين مغاربة إلى المستشفيات من أجل تلقي الإسعافات في كل من مراكش، أكادير، بني ملال، البيضاء والرباط.
بفضل شهادات المهاجرين الموثقة بالصور تمكن فرع الناظور من تسجيل على الأقل وفاة واحدة بين المرحلين يتعلق الأمر بالمهاجر عبد الناصر محمد احمد الذي توفي ليلة 24 إلى 25 يونيو بعد إركابه وهو مجروح داخل حافلة من اجل ترحيله.
- محاولة السلطات التخلص من الضحايا عبر دفنهم بشكل سريع وسري:
غداة فاجعة 24 يونيو أعلن فرع الناظور للجمعية عن محاولة السلطات دفن الضحايا دون التعرف على هوياتهم وبدون إجراء تشريح للجثث حيث لاحظ أعضاء الفرع أثناء تنقلهم يوم 26 يونيو 2022 على الساعة الثانية عشرة والربع زوالا إلى مقبرة سيدي سالم تواجد غير مألوف لأعوان السلطة (باشا الناظور قائد المقاطعة الحضرية الرابعة والكثير من الأعوان الآخرين) وهم يراقبون حفر القبور في الجهة المخصصة للمهاجرين وهو ما أكده أحد المسؤولين عن المقبرة لأعضاء الجمعية.
إن نشر صور حفر القبور على صفحة الجمعية وتنديده بمحاولة الدفن السري للمهاجرين وتوافد العديد من الصحفيين الأجانب والمغاربة على المقبرة جعل السلطات تتراجع عن إتمام عملية الحفر، ولكنها منعت الصحفيين الأجانب من زيارة المقبرة كما حصل مع مراسل جريدة البايس بالمغرب يوم 26 يونيو والذي تم اقتياده إلى مركز الشرطة بالناظور ومنع صحفيين آخرين من جريدة ديلفارو دو مليلية يوم 27 يونيو من طرف عونين للسلطة.
- زيارة المشرحة من طرف فرع الجمعية بالناظور:
يوم السبت 25 يونيو حوالي الساعة 12 وخمس دقائق قام فرع الناظور بزيارة مفاجئة لمشرحة الناظور المتواجدة بالمستشفى الحسني حيث لاحظ أن البابين الرئيسيين للمشرحة كانا مفتوحين على مصراعيهما من أجل التهوية وهو ما مكن أعضاء الفرع من الوقوف على حجم المأساة حيث وجدوا 15 جثة موضوعة مباشرة على الأرض بشكل مهين وتحمل جروحا على مستوى الرأس والوجه وكذلك في الصدر والأرجل الدامية في حين لم يتمكن أعضاء الفرع من الاطلاع على الجثث التي كانت داخل ثلاجات الموتى وسيتم تعزيز المراقبة على المكان ومنع الزيارات مباشرة بعد نشر هذه المعطيات من طرف الفرع وامتناع المسؤولين عن الإدلاء بأي تصريح رغم محاولة الجمعية مصحوبين بصور بعض المفقودين لمعرفة إذا كانوا يوجدون بين الموتى.
- الحقيقة حول شبكات الاتجار بالبشر:
بعد عودة العلاقات الاسبانية المغربية، تم تشديد القبضة الأمنية على المخيمات بالغابات ولكن كذلك ظهر إلى السطح خطاب تجريم الهجرة والمهاجرين عبر اتهامهم بالانتماء إلى شبكات الاتجار في البشر. رغم أن الهجرة عبر القفز على السياج المحيط بمليلية كانت هجرة مجانية مفتوحة لجميع طالبي اللجوء الذين يتخذون هذا القرار بشكل شخصي بعد استقرارهم في مخيمات كوروكو دون أداء أي شيء لأي كان. وهي الهجرة التي يلتجأ إليها المهاجرون الفقراء الذين لا يتوفرون على ما يمكن أ يؤدوا يه ثمن الرحلة البحرية في القوارب.
وللتذكير فإن هجرة الأفارقة من جنوب الصحراء المؤدى عنها وتوجد تحن رحمة شبكات الاتجار في البشر لم تظهر في الناظور إلا سنة 2017 بعد بناء السياج الرابع على حدود مليلية الذي يتوفر على شفرات حادة وأصبح من الصعب تجاوزه مع تعزيز عسكرة هاته الحدود بدأ التحول نحو الطريق البحري. وهو ما أثبتته تقارير الجمعية التي اعتبرت أن هذا التحول وازدياد أعداد شبكات الهجرة هو نتيجة للسياسات الأوربية والمغربية.
- أهم الانتهاكات التي طالت طالبي اللجوء من طرف السلطات بكل من المغرب وإسبانيا:
يمكن تعداد الكثير منها:
- انتهاك الحق في اللجوء خاصة بالنسبة لطالبي اللجوء الوافدين من مناطق تعرف نزاعات مثل السودان، وجنوب السودان وتشاد وأغلبيتهم سبق وأن وضعوا ملفاتهم لطلب اللجوء بعد وصولهم لمدينة وجدة، لكنهم لم يتمتعوا بأية حماية في المغرب بل الأدهى أن السلطات العمومية المغربية تقوم بتمزيق وثائق طلب اللجوء التي توجد بحوزتهم قبل أن تقوم بترحيلهم إلى الحدود الجزائرية المغلقة وهو ما ندد به فرع النظور في سنة 2021 وهو ما يدفع الكثير منهم إلى المخاطرة بحيواتهم من أجل الوصول إلى الضفة الإسبانية وطلب اللجوء؛
- انتهاك الحق في السكن اللائق، وهو ما يتم ملاحظته بامتناع أصحاب الشقق في الناظور من كرائها للمهاجرين/ات وطالبي اللجوء بسبب لون بشرتهم وهو ما يدفعهم إلى الاحتماء بالغابات في انتظار فرصة العبور إلى مليلية وطلب وهو ما يؤكد الممارسات العنصرية ضد المهاجرين/ات وطالبي اللجوء بسبب لون بشرتهم؛
- انتهاك الحق المقدس في الحياة بوفاة ما لا يقل عن 27 مواطنا من طالبي اللجوء على الحدود مع المدينة المحتلة وهو ما يؤشر على أن السياسات الأوربية والإسبانية والمغربية في مجال الهجرة واللجوء لم تعد تتسبب في الوفيات في الطرق البحرية فقط ولكنها أصبحت قاتلة كذلك في الحدود البرية ، ولا يزال أكثر من 64 مهاجرا يعتبرون في عداد المفقودين وهو ما يمكن أن يرشح حصيلة الوفيات للارتفاع
- انتهاك الحق في السلامة البدنية لطالبي اللجوء على الحدود الحادة والشائكة باستعمال العنف المفرط مع أنهم لم يكونوا يشكلون أي خطر وإصابة العديد منهم بإصابات خطيرة
- المعاملة القاسية والمهينة والحاطة من الكرامة التي طبعت سلوك السلطات المغربية مع الجرحى والموتى والمنهارين والمختنقين
- انتهاك الحق في اللجوء من طرف السلطات الإسبانية التي كانت تعيد على الفور طالبي اللجوء الذين اجتازوا الحاجز الحدودي حيث قدر فرع الناظور أن عدد الذين تم طردهم مباشرة بعد ولوج المدينة المحتلة بحوالي 100 من طالبي اللجوء في خرق سافر لاتفاقية جنيف سواء من طرف الحرس الإسباني أو من طرف السلطات المغربية التي كان بعض عناصرها يعبرون الحدود لجلب طالبي اللجوء في تواطؤ مفضوح بين سلطات البلدين دون أن تترك الفرصة لهم لطلب اللجوء والقيام بفحصها طلبات بشكل فردي كما تنص على ذلك اتفاقية جنيف لحقوق اللاجئين.
- الترحيل التعسفي للمهاجرين من طرف السلطات المغربية من منطقة الناظور إلى المناطق الداخلية والجنوبية للمغرب عبر الحافلات دون تمكينهم من الأكل أو الشرب أو العناية الطبية للجرحى ودون توفير البنيات التحتية لاستقبالهم في ظروف إنسانية
- الاعتقالات والمتابعات القضائية:
من مجموع طالبي اللجوء المعتقلين يوم 24 يونيو 2022، تمت متابعة 65 منهم قضائيا في مجموعتين. تتكون المجموعة الأولى من 36 شخصا تمت متابعتهم أمام المحكمة الابتدائية يوم 27 يونيو، من طرف وكيل الملك في حالة اعتقال بالتهم التالية: إهانة وممارسة العنف ضد أعوان السلطة والقوات العمومية أثناء ممارسة عملهم والعصيان، تعييب ممتلكات عمومية وتهديد الأمن العام للأشخاص والممتلكات، حيازة السلاح الأبيض والضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض، تسهيل وتنظيم خروج أشخاص أجانب بطريقة سرية من التراب الوطني والدخول والخروج من التراب الوطني بطريقة سرية .وقد تم تقديمهم عن بعد في جلسة 4 يوليوز مؤازرين بمحامين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وجمعيات أخرى وتم تأجيل محاكمتهم على التوالي لجلستي 12 ثم 18 يوليوز بطلب من الدفاع و صدر الحكم عليهم يوم 19 يوليوز ب 11 شهر لكل منهم وبغرامات مالية .
المجموعة الثانية تتكون من 29 من طالبي اللجوء بينهم قاصر تم تقديمهم أمام الوكيل العام للملك وتمت متابعتهم بتهم جنائية ثقيلة : تكوين عصابة إجرامية، الاختطاف والاحتجاز ، إضرام النار عمدا، التهديد بالقتل، حمل اسلحة من شأنها إلحاق الأذى، إهانة موظفين عموميين أثناء قيامهم بمهامهم بالتهديد والإيذاء في حقهم والتحريض على ذلك ،العصيان ، الاتفاق الجماعي من أجل تسهيل وتنظيم خروج مهاجرين من التراب الوطني، الإقامة غير الشرعية بالتراب الوطني، التخريب والتعييب عمدا لمعدات وممتلكات الدولة والإخلال بالنظام العام وتهديد الأمن الداخلي . وقد تمت مؤازرتهم كذلك من طرف الدفاع المكون من نفس المحامين المؤازرين للمجموعة الأولى حيث قدموا في جلسة 13 يوليوز التي تم تأجيلها لجلسة 27 يوليوز من أجل إعداد الدفاع واستدعاء المشتكين . في حين تم إطلاق سراح القاصر أحمد عمر البشير ذو 16 ربيعا يوم 5 يوليوز.
وبالملاحظة الأولية يمكن رصد العديد من الخروقات التي تمس بالحق في المحاكمة العادلة حيث تم الاعتماد فقط على محاضر الضابطة القضائية والتي تضمنت الكثير من الأخطاء بخصوص جنسيات المعتقلين، من جهة أخرى كان المعتقلون الذين كانوا يحاكمون بوم 27 يونيو يحملون جروحا في أنحاء بارزة من أجسامهم ورفضت المحكمة الدفوعات التي تقدم بها دفاعهم من أجل معرفة حيثيات وظروف إصاباتهم
- الخلاصات:
إننا نعتبر أن هذا التقرير يبقى أوليا وسنعمل على متابعة عملنا من إجلاء الحقيقة كاملة حول هذا الملف وفضح كل الانتهاكات والخروقات المرتكبة في فاجعة باريو تشينو، التي تؤكد بشكل ملموس الانعكاسات الكارثية للسياسات الأوربية في مجال الهجرة واللجوء ليس فقط على وضعية المهاجرين واللاجئين فوق الأراضي الأوربية ولكن بشكل أكثر خطورة على وضعيتهم داخل بلدان العبور والبلدان المتواجدة على الحدود الجنوبية لدول الاتحاد الأوربي، كما هو الحال في بلادنا حيث يتم توظيف واستغلال ملف الهجرة أسوأ استغلال من طرف السلطات المغربية والإسبانية . إن فاجعة باريو تشينو تثبت مرة أخرى أن ممارسة المغرب لدور الدركي والحارس للحدود الجنوبية لإسبانيا بتواطؤ مع السلطات الإسبانية وبمباركة الاتحاد الأوربي، يعد المسؤول الأول عن الانتهاكات الفظيعة التي تطال المهاجرين وطالبي اللجوء والتي تجاوزت كل الحدود بمسها الحق المقدس في الحياة لأكثر من 27 مواطنا من إفريقيا جنوب الصحراء والعشرات من المفقودين والمعتقلين.
إننا اليوم أمام هاته المأساة نعلن أنه لا يمكن إغلاق هذا الملف دون فتح تحقيق نزيه من طرف جهات مستقلة وتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات عنها ومحاسبة كل المتورطين في هاته الجريمة من الجانبين المغربي والإسباني و نطالب ب:
- تحمل الاتحاد الأوربي والدول العضوة فيه وخاصة إسبانيا لالتزاماتهم الدولية في حماية المهاجرين وطالبي اللجوء ووقف كل أشكال الدعم المقدم للمغرب بما فيها الدعم المادي واللوجستيكي والسياسي من أجل القيام بمهمة الحارس للحدود الجنوبية للاتحاد الأوربي؛
- الكشف من طرف الدولة المغربية عن مصير المفقودين وإخبار الرأي العام بما تعرفه عن ظروف اختفائهم ووقف الترحيلات التعسفية لطالبي اللجوء من اجل إبعادهم عن الحدود مع أوربا؛
- الإطلاق الفوري ووقف المتابعات بحق المهاجرين الذين تم اعتقالهم يوم الجمعة ومتابعة المسؤولين الحقيقيين عن شبكات الاتجار وتهريب البشر الذين ينتعشون كلما تم تشديد المراقبة وعسكرة الحدود؛
- تبني سياسة حقيقية للهجرة واللجوء ترتكز على احترام الكرامة الإنسانية للمهاجرين وطالبي اللجوء وخاصة لأولئك الوافدين من قارتنا السمراء والذين يتعرضون لكل أشكال العنف والتمييز والعنصرية بسبب لون بشرتهم في تناقض تام مع ما يتم الترويج له من خطابات وتصريحات تعتبر المغرب”نموذجا” في مجال تدبير ملف الهجرة في المنطقة.