منوعات

“تاكلا” العصيدة رمز التآزر الاجتماعي في الاحتفالات الأمازيغية

“تاكلا” العصيدة رمز التآزر الاجتماعي في الاحتفالات الأمازيغية

يشكل الطبخ التقليدي في منطقة سوس ماسة عنصراً مهماً من عناصر الثقافة المحلية التي تنسجم مع العادات الزراعية والتقاليد الموروثة. ومن بين الأطباق التي تبرز في المناسبات المهمة، نجد “تاكلا” أو العصيدة، وهي طبق شائع في رأس السنة الأمازيغية. إذ يعتبر هذا الطبق رمزاً للتراث المطبخي الأمازيغي، ويعكس الارتباط الوثيق للأهالي بالأرض. تكمن أهمية “تاكلا” في كونها تجسد روح التآزر الاجتماعي والاحتفال بموسم الحصاد الذي يحمل الخير والبركة.

تعد “تاكلا” من الأطعمة التي تحظى بشعبية كبيرة في الحياة اليومية للسكان المحليين. إلا أن استخدامها يصبح أكثر أهمية في المناسبات الاحتفالية مثل رأس السنة الفلاحية. فهذا الطبق لا يقتصر على كونه وجبة غذائية فقط، بل يحمل في طياته دلالات ثقافية عميقة. فـ”تاكلا” يتم تناولها في إناء دائري يجتمع حوله أفراد الأسرة كرمز للتعاون والمشاركة.

يتميز طبق “تاكلا” بتنوع مكوناته التي تعتمد بشكل أساسي على الحبوب المحلية مثل الشعير والذرة. هذه الحبوب، التي تزرع في الأراضي الأمازيغية، تمثل ارتباط السكان العميق بالأرض. كما أن تناول هذه الحبوب يسهم في مقاومة برودة الشتاء، مما يجعل الطبق ليس فقط غذائياً، بل وقائياً أيضاً. تتمتع “تاكلا” بقيمة غذائية عالية، الأمر الذي يعزز قوت الجسم ويحميه من تقلبات الطقس البارد.

الباحث عبد الكريم شعوري يشير إلى أن “تاكلا” ليست مجرد طبق طعام، بل هي رمز للتعاون الاجتماعي والاحتفال بموسم الحصاد. تبرز “تاكلا” إلى جانب “أوركيمن” كأحد الأطباق الرئيسية التي يتم تحضيرها في ليلة رأس السنة الزراعية. تتخلل هذه الاحتفالات أجواء من البهجة والأشعار الشعبية، لتشكل مناسبة عميقة تعكس وحدة المجتمع الأمازيغي.

عملية تحضير “تاكلا” تبدأ بعناية فائقة في تنقية الحبوب من الشوائب، وهي مهمة تقوم بها النساء اللاتي يشرفن على إعداد الطعام. ثم يتم غلي الحبوب على نار هادئة حتى تنضج تماماً، ما يستغرق نحو ساعتين. بعد ذلك، تضاف المكونات الأخرى مثل الدقيق والملح، ويستمر التحريك حتى تتماسك المكونات وتصبح كالعجين، استعداداً لتقديمها.

تقدم “تاكلا” في إناء دائري يعرف بـ”تازلافت”، ويتم تشكيل حفرة في وسط الوجبة لوضع زيت الزيتون أو السمن أو زيت الأركان. يمكن تناولها باليد أو بالملعقة، ويتم تزيينها بالعسل أو اللبن البلدي. كما يمكن إضافة التمر والبيض والجوز الهندي عليها، وتزين أحياناً بحروف “تيفيناغ” التي تمثل تهنئة خاصة برأس السنة الأمازيغية.

من أبرز العادات المرتبطة بـ”تاكلا” في سوس، هي دفن نواة التمر وسط العصيدة. يعتبر العثور على هذه النواة بمثابة بشارة لعام مليء بالخير والبركة. هذه العادة تعكس التفاؤل والرغبة في بداية جديدة مليئة بالنجاح والسعادة. ويؤمن الناس بأن من يعثر على النواة سيحظى بحظ جيد طوال العام.

تعتبر “تاكلا” في سوس ماسة تجسيداً لروح التعاون والاحتفال التي تسود المجتمع الأمازيغي. إن تحضير هذا الطبق وتناوله يعبر عن الامتنان لنعم الأرض وثمارها. إضافة إلى ذلك، يعكس “تاكلا” تلاحم الأسرة وعمق التقاليد التي تظل حية، بل وتزداد رسوخاً مع مرور الوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!