مجتمع

برنامج الدعم المباشر للسكن خطوة جريئة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية

برنامج الدعم المباشر للسكن خطوة جريئة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية

في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها العديد من المواطنين في المغرب، يبرز برنامج الدعم المباشر للسكن كأحد المبادرات الطموحة التي تطلقها الدولة لتوفير حلول فعّالة للسكن الملائم. يهدف هذا البرنامج إلى تمكين الأسر المغربية من الحصول على مسكن بأسعار ميسرة، بعيدًا عن ضغوط السوق العقاري والمضاربات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار. يعد هذا التوجه خطوة هامة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية والاستقرار الأسري، ويعكس التزام الدولة بتحقيق التنمية الشاملة.

لسنوات طويلة، اعتمدت الحكومة المغربية على دعم المنعشين العقاريين من خلال إعفاءات ضريبية وتسهيلات مالية على أمل أن تؤدي هذه التحفيزات إلى بناء وحدات سكنية منخفضة التكلفة. إلا أن هذا النموذج لم يحقق النتائج المرجوة، حيث استمرت الأسعار في الارتفاع، وظلت الأسر ذات الدخل المحدود عاجزة عن الحصول على مساكن مناسبة. لذا، جاء برنامج الدعم المباشر للسكن كبديل جديد يعكس التغيير في الرؤية الحكومية في التعامل مع أزمة السكن في البلاد.

وفقًا لهذا البرنامج، يُمنح المواطنون الذين لا يمتلكون سكنًا دعمًا ماليًا مباشرًا لشراء العقارات، ويختلف المبلغ الذي يتم منحه وفقًا لسعر العقار الذي يتم شراؤه. على سبيل المثال، يحصل المواطنون الذين يشترون عقارًا لا يتجاوز سعره 300 ألف درهم على دعم يصل إلى 100 ألف درهم. أما العقارات التي تتراوح أسعارها بين 300 و700 ألف درهم، فيحصل أصحابها على دعم بقيمة 70 ألف درهم. هذه المبادرة تمثل دعمًا كبيرًا قد يغطي أحيانًا 50% من قيمة العقار، مما يساهم في تسهيل شراء المنازل للأسر المغربية المتوسطة والمحدودة الدخل.

تعكس هذه المبادرة التوجه الحكومي نحو تحديث المنظومة الإدارية في التعامل مع ملف السكن، حيث يتم تدبير عملية الدعم إلكترونيًا بالكامل. فقد أطلقت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان تطبيقًا رقميًا يتيح للمواطنين إيداع طلباتهم ومتابعة مراحل استحقاقهم، مما يساعد على تقليل الإجراءات البيروقراطية ويعزز الشفافية في عملية توزيع الدعم. كما قامت الوزارة بتفعيل إجراءات إضافية لتسهيل شراء العقارات، من خلال التعاون مع المجلس الوطني للموثقين لتقديم خدمات موثقة بأسعار مخفضة.

منذ انطلاق البرنامج في يناير 2024، حقق نتائج ملحوظة حيث تم دراسة أكثر من 37 ألف طلب، وتمت الموافقة على 24 ألف طلب منها. وبذلك تم ضخ حوالي 1.8 مليار درهم في السوق العقاري المغربي. هذه الأرقام تشير إلى النجاح الكبير الذي حققته المبادرة في جذب المواطنين، خصوصًا أولئك الذين ينتمون إلى الفئات المتوسطة والفقيرة، ما يعكس تزايد الإقبال على هذا النوع من الدعم.

ورغم ما حققه البرنامج من نجاحات، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، أبرزها غياب العقوبات الصارمة ضد الذين يقومون ببيع العقار بعد شرائه بفترة قصيرة، ما قد يؤدي إلى حدوث مضاربات في السوق. كما أن التفاوت في أسعار العقارات بين المدن الكبرى والمناطق القروية يجعل الدعم غير كافٍ في بعض الحالات. إضافة إلى ذلك، يعاني السوق من التضخم وارتفاع أسعار مواد البناء، ما قد يؤدي إلى تآكل قدرة المواطنين على شراء المنازل رغم الدعم المقدم. إلا أن هذه التحديات يمكن معالجتها بتطوير التشريعات ذات الصلة وتحسين آليات التنفيذ.

لا يقتصر نجاح برنامج الدعم المباشر للسكن على الأرقام فقط، بل يرتبط أيضًا بقدرته على تحسين مستوى معيشة الأسر المغربية وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. يعتبر الحق في السكن أحد الحقوق الأساسية التي تساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية، ومن خلال توفير سكن ملائم، يمكن تعزيز الشعور بالانتماء لدى المواطنين والحد من الفوارق الاجتماعية. يعد هذا البرنامج خطوة أولى نحو تحقيق تطلعات المغاربة في الحصول على سكن لائق.

هذا البرنامج قد يكون البداية فقط، لكنه يشكل تحولًا مهمًا في سياسة الدولة تجاه قضية السكن، ويمهد الطريق لخطوات أكثر جرأة في المستقبل، ما يجعل المغرب في مقدمة الدول التي تسعى إلى تحقيق مدن مستدامة وتوفير حياة أفضل لمواطنيها.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!