الوازع الديني دعامة لتعزيز الصحة وتحقيق التنمية في المجتمع
![](https://akhbarlyaoum24.ma/wp-content/uploads/2025/02/IMG-20250209-WA0000-780x470-1.jpg)
الوازع الديني دعامة لتعزيز الصحة وتحقيق التنمية في المجتمع
في إطار لقاء تواصلي احتضنه المجلس العلمي الأعلى بمقره في الرباط، ألقى وزير الصحة والحماية الاجتماعية السابق، خالد آيت الطالب، كلمة تناول فيها دور الوازع الديني في تعزيز الصحة والمساهمة في تحقيق التنمية، حيث أكد أن الصحة تشكل إحدى الركائز الجوهرية في بناء مجتمعات متقدمة ومزدهرة.
وأشار إلى أن الصحة تُعد نعمة إلهية عظيمة وأحد المقاصد الأساسية التي دعا الإسلام إلى الحفاظ عليها، إلى جانب الدين والعقل والمال والعرض، موضحًا أن المسؤولية في حماية الصحة لا تقع فقط على الأفراد، بل هي واجب جماعي يستدعي تكامل الجهود من خلال سياسات صحية متقدمة وتوجيهات دينية تحث على السلوكيات الصحية السليمة.
وتحدث عن المنهج الإسلامي المتكامل الذي يحث على الوقاية الصحية، من خلال التشجيع على النظافة والطهارة، واتباع نظام غذائي متوازن، والابتعاد عن المحرمات التي تؤثر سلبًا على صحة الأفراد، مثل المخدرات والخمر، لافتًا إلى أن العبادات الإسلامية مثل الصوم والصلاة تسهم بشكل مباشر في تعزيز التوازن الصحي والنفسي.
واستشهد في هذا السياق بحديث النبي ﷺ الذي قال: “تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء”، موضحًا أن الإسلام يشجع على البحث عن العلاج واتخاذ التدابير الوقائية التي تضمن سلامة الأفراد والمجتمع.
وأوضح خالد آيت الطالب أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود أفراد أصحاء، قادرين على العمل والعطاء، مشيرًا إلى أن الصحة ليست مجرد غياب المرض، بل هي حالة من التوازن الجسدي والنفسي والاجتماعي، وفق ما أقرته منظمة الصحة العالمية، وهو ما يتماشى مع القيم الإسلامية التي تضع صحة الإنسان في صميم اهتماماتها.
وأكد أن الدراسات العلمية الحديثة أظهرت أن الوقاية الصحية تلعب دورًا محوريًا في الحد من انتشار الأمراض المزمنة والمعدية، مستعرضًا بعض الإحصائيات التي تؤكد ضرورة اتباع نمط حياة صحي، من خلال ممارسة الرياضة، والالتزام بنظام غذائي متوازن، والتخلي عن العادات الضارة مثل التدخين والإفراط في استهلاك السكر والدهون.
وأشار إلى أن الاكتشاف المبكر للأمراض مثل السرطان يمكن أن يقلل من معدلات الوفيات بنسبة 30%، بينما الإقلاع عن التدخين يساعد في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب إلى النصف في غضون عامين فقط، مما يبرز أهمية تعزيز التوعية الصحية داخل المجتمعات.
وفيما يتعلق بالصحة النفسية، أكد الوزير السابق أنها عنصر أساسي في تحقيق الاستقرار والتوازن في حياة الإنسان، موضحًا أن التوجيهات الدينية الصحيحة تسهم في الحد من القلق والاكتئاب، وتعزز الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية، وهو ما ينعكس إيجابيًا على حياة الأفراد وسلوكياتهم داخل المجتمع.
وأضاف أن القرآن الكريم أولى اهتمامًا بالغًا بالصحة النفسية، حيث قدم حلولًا روحية فعالة تعزز مناعة الإنسان ضد الضغوط والتحديات، مستشهدًا بقوله تعالى: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، مشددًا على أن الذكر والصلاة والتأمل تساهم بشكل فعال في تحقيق الراحة النفسية والتوازن العاطفي، مما يرفع من مستوى الإنتاجية والفاعلية في المجتمع.
وفي محور آخر، تحدث آيت الطالب عن التكافل الاجتماعي كأحد المبادئ الإسلامية التي تهدف إلى ضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية دون تمييز، مؤكدًا أن الإسلام شدد على أهمية التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع لضمان حياة صحية كريمة للجميع.
وأشاد بالمشروع الملكي للحماية الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس، والذي يسعى إلى تعميم التغطية الصحية وتعزيز العدالة الاجتماعية، موضحًا أن هذا المشروع يتماشى مع القيم الإسلامية الداعية إلى دعم الفئات الهشة وضمان حقها في العلاج والرعاية الطبية.
وأوضح أن التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن تعميم التغطية الصحية الأساسية يساهم في تقليل الإنفاق المباشر على الصحة بنسبة تتراوح بين 20% و40%، مما يساعد الأسر ذات الدخل المحدود على تحسين أوضاعها الصحية والاجتماعية، مؤكدًا أن الاستثمار في الصحة العامة يمثل خطوة اقتصادية ضرورية، حيث أظهرت الدراسات أن كل دولار يُنفق على الوقاية الصحية يوفر أضعافه من النفقات العلاجية المستقبلية.
كما أشار الوزير السابق إلى أن التحديات البيئية تشكل تهديدًا مباشرًا للصحة والتنمية، موضحًا أن التلوث يعد من بين أخطر المشكلات الصحية التي تواجه العالم، حيث يؤدي إلى وفاة أكثر من 7 ملايين شخص سنويًا بسبب الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي والقلب.
وأكد أن الإسلام شدد على أهمية الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث، كما جاء في قوله تعالى: “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، داعيًا إلى تعزيز الجهود الرامية إلى الحد من التلوث، وتحسين جودة الهواء والمياه، واعتماد سياسات تنموية مستدامة تحمي صحة الأفراد وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
وشدد خالد آيت الطالب على أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب رؤية متكاملة تضع الصحة في صلب الأولويات، مؤكدًا أن الخطاب الديني يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتعزيز الوعي الصحي، وترسيخ السلوكيات الإيجابية التي تحمي الأفراد والمجتمعات من المخاطر الصحية.
كما دعا إلى اعتماد الوقاية كأسلوب حياة، وتعزيز روح التكافل الاجتماعي لضمان استمرارية الإصلاحات الصحية، مشيرًا إلى أن الإسلام بمبادئه المتوازنة يمنح الإنسان منهجًا متكاملًا للحفاظ على صحته، عبر تبني نهج يقوم على الوقاية، الاعتدال، والمسؤولية الفردية والجماعية نحو تحقيق مجتمع أكثر صحة واستدامة.