مشاهير

الطائفة العيساوية في مكناس: تاريخ موسيقي وروحي يمتد عبر الأجيال

الطائفة العيساوية في مكناس: تاريخ موسيقي وروحي يمتد عبر الأجيال

تعد مدينة مكناس الإسماعيلية من أبرز المدن التي يرتبط اسمها مع فرقة “عيساوة” أو “الطائفة العيساوية”، وهي فرقة تمثل جزءًا مهمًا من التراث المغربي العريق. فن العيساوة هو فن موسيقي روحي يتسم بخصائصه الخاصة التي تجمع بين الأبعاد الصوفية والروحية. هذا الفن له تاريخ طويل يبدأ من مكناس، ثم انتشر ليشمل مدنًا مغربية أخرى، مستمرًا في التأثير على الثقافة المغربية حتى اليوم.

في أعماق تاريخ العيساوة، نجد أن هذا الفن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالطريقة الجزولية والشاذلية. استمد هذا الفن روحانيته من هذه الطرق الصوفية العريقة، التي تأسست على يد الإمام أبو حسن علي الشاذلي. يعود أصل الطريقة العيساوية إلى القرن السادس عشر على يد الشيخ محمد الهادي بن عيسى، الذي يعتبر مؤسس الطائفة العيساوية وأحد أعلام الصوفية البارزين. يقال إن الطريقة العيساوية نشأت في مكناس وارتبطت بالزهد والعبادة.

تأسست الطريقة العيساوية على يد الشيخ محمد الهادي بن عيسى، الذي عرف بلقب “الشيخ الكامل”. وفقًا للعديد من المصادر، كان هذا الشيخ من الشخصيات البارزة في مجال التربية الروحية والموسيقية في المغرب. كان الشيخ الكامل يتبع أسلوبًا مميزًا في نشر تعاليمه، حيث كان يعقد جلسات دينية تجمع بين تلاوة القرآن والأذكار. كما أسس العديد من القواعد الروحية التي سادت في الطائفة العيساوية، والتي كانت تنظم أوقات عباداتها وحركاتها.

تربى الشيخ محمد الهادي بن عيسى في منطقة سوس، حيث عاش طفولة مليئة بالعلم والتربية الدينية. تنقل بعد ذلك إلى مدينة فاس، حيث واصل تعليمه في جامع القرويين، أقدم الجامعات الإسلامية في العالم. هناك تعلم علوم الدين واللغة العربية، ثم انتقل إلى مكناس للقاء معلمه الشيخ أحمد الحارثي السفياني، الذي كان له تأثير كبير عليه. من خلال هذه اللقاءات، اكتسب الشيخ الكامل معرفة أعمق بروح الصوفية الجزولية، مما سهل عليه لاحقًا تأسيس طائفته الخاصة.

كان للشيخ الكامل دور كبير في نشر الطريقة العيساوية على نطاق واسع، خاصة بعد انتقاله إلى مراكش حيث التقى بالشيخ سيدي عبد العزيز التباع. هذا اللقاء أسهم في تعزيز مكانة الشيخ الكامل داخل الحركة الصوفية، مما مهد الطريق لإعادة تعريف الطائفة العيساوية وتوسيع نطاق تأثيرها داخل المجتمع المغربي. ومن هنا بدأت تتطور العيساوية لتتحول من طائفة دينية إلى فن موسيقي ذي طابع مميز.

فيما يتعلق بتطور العيساوية كفن موسيقي، تجدر الإشارة إلى أن هذا الفن كان في بداياته محصورًا في الزوايا الصوفية، حيث كان يؤدي بشكل محدود في المناسبات الدينية، مثل ذكرى المولد النبوي. كانت العيساوية تُغنى وتُردد في إطار ديني بحت، لكن مع مرور الوقت شهدت هذه الطريقة تحولًا ملحوظًا. فقد تم تأسيس فرق موسيقية خاصة بها، لتمثل العيساوية في المهرجانات الثقافية والوطنية والدولية.

فن العيساوة يتسم بالإيقاع المميز والكلمات الصوفية التي تتغنى بمدح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته وأولياء الله الصالحين. تُعتبر قصائد العيساوة نوعًا من أنواع الشعر الملحون، حيث يستخدم شعراء العيساوة أسلوبًا مشابهًا لشعراء الملحون في المغرب. تجمع العيساوة بين الإيقاع الموسيقي وكلماتها الروحية التي تدعو للتقرب إلى الله.

الشيء المميز في العيساوية هو حضور الإيقاع، وهو عنصر غير موجود في العديد من الطقوس الصوفية الأخرى. الإيقاع في العيساوية يعد من أهم مميزاتها، فهو يمنحها طابعًا خاصًا يجعلها فريدة من نوعها بين الفنون الروحية الأخرى. كما أن هذا الفن أصبح يشكل جزءًا من الفلكلور المغربي، حيث يتم عرضه في العديد من المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والاحتفالات.

من بين الفرق العيساوية التي ساهمت في نقل هذا الفن إلى الجمهور الواسع، نجد فرقة الشاب عثمان بنمومن، الذي يعد من أبرز الأسماء في مجال العيساوة. يتحدث عثمان بنمومن عن انتقاله إلى عالم العيساوة قائلاً: “لقد نشأت في بيئة عائلية صوفية عيساوية، وكان والدي سيدي أحمد بنمومن مقدمًا للطائفة العيساوية في مكناس”. يضيف عثمان أن هذا الإرث العائلي كان له دور كبير في تشكيل شخصيته الفنية وساهم في استمرارية هذه الطائفة إلى يومنا هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!