السعودية وأمريكا من يخدم الآخر البقرة الحلوب أم الراعي
السعودية وأمريكا من يخدم الآخر البقرة الحلوب أم الراعي
نورالدين توزيط _ الدار البيضاء
في زحمة التحولات العالمية الكبرى تظل بعض العقول عالقة في قوالب نمطية عفا عليها الزمن تنظر إلى دول الخليج مثل السعودية وقطر والكويت والبحرين في صور نمطية بالية، وتختزلها في مجرد أدوات تستخدم لخدمة المصالح الأجنبية، أو “بقرة حلوب” كما وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذا التصور المغلوط يتجاهل حقيقة أن السعودية ودول الخليج أصبحت قوة اقتصادية وسياسية قادرة على التأثير في القرارات الدولية، وربما تقلب الموازين لصالحها عند الضرورة.
فدول الخليج لم تعد مجرد أسماء على الخريطة، بل باتت قوى صاعدة، فهي دول تقود، لا تقاد، وتصنع قراراتها بوعي وحكمة، قادرة على أن تحدث الفارق وتترك بصمتها على الساحة الدولية متى أرادت.
وتعد السعودية مثالا حيا على قوة التأثير في الاقتصاد العالمي، وبفضل دورها القيادي في منظمة “أوبك”، تساهم قراراتها في تشكيل ملامح أسواق الطاقة، سواء عبر تعزيز الاستقرار أو خلق أزمات طاقية عبر العالم.
علاوة على ذلك يشكل الاقتصاد السعودي عاملا أساسيا في استقرار الدولار، حيث تلعب الاستثمارات السعودية الضخمة في سندات الخزينة الأمريكية دورا محوريا في دعم الاقتصاد الأمريكي، وأي تغيير في توجه هذه الاستثمارات قد يحدث هزات كبيرة في الاقتصاد الامريكي، مما عزز مكانة السعودية كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي الدولي.
أما تصريحات ترامب فهي ليست سوى امتداد لأسلوبه الشعبوي الذي يعتمد على الإثارة والسخرية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، لكن مهما كان خطاب ترامب أو غيره من السياسيين، تبقى الحقيقة أن أي رئيس أمريكي لا يستطيع تجاهل الدور المحوري للسعودية في صياغة السياسة الدولية سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي حيث تحتل مكانة لا غنى عنها في المعادلات العالمية.
و من المؤكد أن أي رئيس أمريكي بغض النظر عن هويته أو توجهاته سيجد نفسه مضطرا للتوجه إلى الرياض للتنسيق بشأن ملفات استراتيجية كبرى تتجاوز قدرتها على التأثير الشرق الاوسط وتتعلق في عمومها بالأمن الطاقي والسياسي والاقتصادي، و أي غموض في مواقف دول الخليج قد ينعكس بشكل مباشر على السياسة الأمريكية.
لهذا علينا أن ندرك شأن وقدرة دول الخليج، فاليوم لم تعد مجرد محطة وقود للعالم ، بل هي شريك رئيسي في الاقتصاد العالمي وقوة قادرة على الاستثمار والتأثير.
فالسعودية على سبيل المثال ليست مجرد دولة غنية بالموارد الطبيعية مثل الجزائر، بل نجحت في تحويل ثروتها إلى مشاريع استثمارية ضخمة واستراتيجيات طويلة الأمد تغير معالم الاقتصاد العالمي .
وتجدر الإشارة إلى أن صناديق الثروة السيادية في دول الخليج تدير أصولا هائلة تقدر قيمتها بحوالي 4.9 تريليون دولار، وهو ما يؤكد تأثيرها الكبير ودورها المحوري في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي.
تأثرنا اليوم بالخطاب الشعبوي المنتشر جعلنا نعيش في وهم أننا الأذكى والأكثر تقدما، هذا الوهم يحجب عنا رؤية الحقائق الواضحة، فيكفي أن نتأمل بإنصاف وعمق ما حققته دول الخليج من إنجازات علمية وثقافية، لندرك أنها تخطو بخطوات جبارة توازي طموحات الدول المتقدمة.
هذا النجاح لم يأت من فراغ بل من إرادة صلبة وتخطيط استراتيجي محكم، وهو دعوة لنا لنترك خلفنا هذا الخطاب السطحي وننظر إلى العالم بعيون أكثر إنصافا.
لهذا من الضروري أن نعيد النظر في تصوراتنا وأن ندرك أن نجاح هذه الدول هو نتاج جهود مدروسة وتخطيط استراتيجي محكم، وليس كما يروج له البعض في إطار خطاب شعبوي سطحي يتجاهل الحقيقة ويحاول تشويهها بادعاء أن هذه الدول تابعة أو أن قياداتها عاجزة عن الدفاع عن نفسها.
اقرأوا التاريخ جيدا لتفهموا كيف وصل الدولار إلى مكانته الحالية و علاقة السعودية بذلك؟ وكيف تستثمر السعودية في السندات الامريكية؟ و حجم هذه الاستثمارات؟ ولماذا اغتيل الملك فيصل؟ و ازمة حظر النفط العربي؟ وغيرها من الحقائق التي لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها هنا.