الزرابي المغربية.. حكايات تُنسج بأيد نسائية وبأفكار مبتكرة
![](https://akhbarlyaoum24.ma/wp-content/uploads/2025/02/e9300b2f-e287-4aa1-b75e-74a97a6483a7-780x470.webp)
الزرابي المغربية.. حكايات تُنسج بأيد نسائية وبأفكار مبتكرة
الزرابي المغربية تعد من أهم عناصر التراث الشعبي التي تمثل جزءًا من هوية المجتمع المغربي. تُعتبر الزربية أكثر من مجرد قطعة سجاد، فهي بمثابة قصة تُحكى عبر خيوط الصوف، حيث تعكس الفرح، الحزن، الأحلام، والأفراح التي عاشتها النساء في مختلف المناطق المغربية. من جبال الأطلس إلى سواحل الشاوية، تجد الزربية تتناغم مع طبيعة المنطقة وجغرافيتها، لتصبح جزءًا من حياة كل امرأة مغربية، حيث كانت ولا تزال وسيلة للتعبير عن تاريخ طويل من الأجداد.
صناعة الزرابي.. طقوس تبدأ من الأرض
تبدأ رحلة الزربية المغربية من الأرض، حيث تتم عملية جمع الصوف من الأغنام المنتشرة في المراعي الخضراء للمناطق الجبلية مثل الأطلس. يتم غسله بعناية باستخدام مياه الوديان الجبلية النقية، ثم يُجفف على الأسطح المخصصة لذلك، ليُعد إلى مرحلة الصباغة باستخدام نباتات وأعشاب محلية مثل الحناء، الرمان، والفوة، ما يمنح الزرابي ألوانًا دافئة ومشرقة، تمثل جمال الطبيعة المغربية.
بعد هذه العمليات، يبدأ الغزل بعناية فائقة، ثم تُنسج الخيوط باستخدام المنسج التقليدي. وقد تختلف طريقة النسيج من منطقة لأخرى، حيث تتميز كل منطقة بأسلوبها الخاص الذي يعكس الثقافة المحلية، لكن دائمًا ما تظل الزربية تحمل في تفاصيلها روح الأرض، الزمان والمكان.
المهارة والحرفية.. تقاليد تنتقل عبر الأجيال
على الرغم من أن صناعة الزرابي تتطلب مهارة يدوية عالية، إلا أن سر نجاحها يكمن في انتقال هذه الحرفية عبر الأجيال. لطيفة الداودي، إحدى نساء منطقة تازناخت الأمازيغية، تروي فخرها بابتكار الزرابي بلمسات فنية تحاكي الجمال الطبيعي وتحتفظ بتقاليد المنطقة. تؤكد لطيفة أن الزربية ليست مجرد منتج، بل هي أداة تعبيرية تتنقل من جيل إلى جيل، حيث تُضاف إلى الزربية لمسات من إبداع النساء، مما يجعلها تتناغم مع العصر دون أن تفقد هويتها الأصلية. كما أن النساء في تازناخت يحرصن على استخدام صوف جبل “سروة” الذي يعد من أجود أنواع الصوف، مما يمنح الزرابي جودة استثنائية.
الزربية كما تُحاك في الشاوية.. مزيج من الوطنية والإبداع
منطقة الشاوية، الواقعة في جهة الدار البيضاء، تتميز هي الأخرى بأسلوب خاص في صناعة الزرابي يعرف بـ “المراحية”. في هذه المنطقة، تعتبر الزربية أداة تعبيرية تحمل في تفاصيلها الكثير من الرموز والمعاني الوطنية. كبيرة فتان، إحدى الحرفيات البارزات من الشاوية، تحدت أساليب النسيج التقليدية وأدخلت ألوانًا وزخارف تعكس حبها للوطن، فحولت الزرابي المراحية إلى قطع فنية تحمل رسائل من الوطنية، مثل الزرابي التي تحمل شعار المملكة المغربية أو كلمات النشيد الوطني.
تكشف كبيرة فتان، التي بدأت علاقتها بصناعة الزرابي في سن مبكرة، كيف تحولت هذه الحرفة إلى شغف دائم. فهي لا تقتصر فقط على نسيج الزرابي التقليدية، بل تستخدم خيالها لإبداع لوحات فنية على الزرابي، مثل الزربية التي نسجت فيها شعار المملكة والعديد من الرموز الوطنية الأخرى.
الإبداع في كل خيط.. الزربية ليست مجرد حرفة
العمل في صناعة الزرابي يتطلب الكثير من العشق والإبداع. بالنسبة لكبيرة فتان، كل قطعة زربية تمثل عالمًا كاملًا من الأحاسيس والذكريات. قد تستغرق هذه الحرفية أشهرًا طويلة لإتمام قطعة واحدة، حيث تنغمس في التفاصيل الدقيقة لكل خيط وتنسجها بعناية وحب. تكشف كبيرة عن حالة العشق التي تسكنها أثناء العمل، فكل خيط يتم وضعه على المنسج يعد بمثابة جزء من روحها، مما يجعل كل قطعة زربية تُشعر من يراها وكأنها تمثل جزءًا من التاريخ والحياة اليومية لهذه النساء المجتهدات.
الزرابي.. لوحة فنية تبقى عبر الأجيال
الزرابي المغربية لم تعد مجرد قطع سجاد، بل أصبحت تُعتبر قطعًا فنية تجسد الثقافة المغربية بكل تفاصيلها، وتربط بين الماضي والحاضر. إن الزرابي المصنوعة يدويًا ليست مجرد منتج تقليدي، بل هي بمثابة إرث حي يجسد حكايات الأجداد، ويمنحها لمسة من الحداثة والإبداع الذي يضاف إليها عبر الأجيال الجديدة من النساء الحرفيات. مع مرور الزمن، تظل الزرابي المغربية تتطور وتتحول، لكنها تظل دائمًا متشبثة بجذورها، وتحمل في طياتها قصصًا وحكايات لا تنتهي.