التصدي لظاهرة زواج القاصرات في المغرب يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي

التصدي لظاهرة زواج القاصرات في المغرب يتطلب تعزيز الوعي المجتمعي
في الآونة الأخيرة، سلط وزير العدل عبد اللطيف وهبي الضوء على ظاهرة زواج القاصرات في المغرب، مشيرًا إلى أن الطلبات المقدمة لهذا النوع من الزواج في العالم القروي تتجاوز بكثير نظيرتها في المناطق الحضرية. وتعد هذه الظاهرة إحدى القضايا الاجتماعية المعقدة التي تتطلب معالجة شاملة، حيث لا تتعلق فقط بتشريعات قانونية، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي متجذر في الأوساط العائلية والمجتمعية.
إن تفشي هذه الظاهرة في المناطق القروية يعد من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المغربي في محاولاته لمكافحة زواج القاصرات. على الرغم من تراجع عدد حالات زواج القاصرات بشكل عام، إلا أن الطلبات المقدمة في القرى لا تزال أعلى بكثير من تلك في المدن. يعود هذا الانتشار إلى عدة عوامل، منها الوضع الاجتماعي الهش، بالإضافة إلى تأثير الأعراف والتقاليد التي تساهم في استمرار هذه الممارسة.
كما أن التفسيرات الخاطئة لبعض النصوص الدينية تساهم في تعزيز هذه الظاهرة، مما يترتب عليه آثار سلبية للغاية على حياة الفتيات. ومن بين تلك الآثار الإقصاء من التعليم، مما يعيقهن عن بناء مستقبل أفضل. فضلاً عن التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والصحية على الفتيات وأطفالهن، والتي قد تكون طويلة الأمد.
وقد أشار وهبي إلى أن المدونة الحالية للأسرة، التي تم تعديلها استنادًا إلى مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعتها، تأخذ بعين الاعتبار هذه المشكلة وتضع لها إطارًا قانونيًا صارمًا. وبموجب هذه المدونة، يتم تحديد سن الزواج بـ 18 سنة، مع السماح بالزواج في سن 17 ضمن شروط دقيقة وصارمة، وذلك لتجنب تحول الاستثناء إلى قاعدة عامة يمكن أن تساهم في استمرار الظاهرة.
من خلال هذه القوانين، يسعى المغرب إلى وضع ضوابط للحد من ظاهرة زواج القاصرات، إلا أن المعالجة القانونية وحدها لا تكفي. ولذا يشدد وزير العدل على ضرورة تكثيف الجهود المجتمعية، مؤكدًا أن هذه القضية تتطلب وعيًا جماعيًا أكبر من قبل جميع الأطراف المعنية. فلا يكفي العمل التشريعي وحده للقضاء على هذه الظاهرة، بل يجب أن يترافق مع حملات توعية شاملة تستهدف تعزيز مفاهيم حقوق الطفولة والمساواة بين الجنسين.
وفي هذا الإطار، تتعاون العديد من الجهات الحكومية، منظمات المجتمع المدني، وكذلك الأحزاب السياسية، من أجل حماية حقوق الأطفال في المغرب. وقد ساعدت هذه الجهود المشتركة في تقليص حالات زواج القاصرات، حيث أظهرت الإحصائيات انخفاضًا ملحوظًا في الأرقام، فقد تم تسجيل 12,450 حالة زواج قاصر في عام 2023 مقارنة بـ 26,298 حالة في عام 2017.
من جهة أخرى، أشار وهبي إلى أن المشرع المغربي قد وضع آليات قانونية صارمة لحماية الفتيات والفتيان الذين لم يبلغوا سن 18 عامًا من الاستغلال. حيث يتم منح قاضي الأسرة الصلاحية لمنح الإذن الاستثنائي في حال وجود مصلحة محددة، وذلك بهدف ضمان أن هذه الاستثناءات لا تُستخدم بشكل مفرط أو غير عادل.
ومع تزايد متابعة وزارة العدل لهذه القضية عن كثب، يشدد الوزير على أن هناك التزامًا كبيرًا بتفعيل القوانين الخاصة بزواج القاصرات بما يضمن حمايتهم من أي استغلال. كما أكدت الوزارة أنها تعمل بشكل متواصل على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع أي ثغرات قانونية قد تؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة مجددًا.
إجمالًا، يشير وهبي إلى أن معركة القضاء على زواج القاصرات ليست سهلة ولن تحل بين عشية وضحاها. يتطلب الأمر تحولات عميقة في الوعي الاجتماعي والتزامًا جماعيًا من كافة المؤسسات المغربية لضمان أن هذه الظاهرة لن تستمر في التأثير على حياة العديد من الفتيات.