التحديات التي يواجهها النقل الجوي في المغرب بين الرؤية الملكية والتخبط الإداري

التحديات التي يواجهها النقل الجوي في المغرب بين الرؤية الملكية والتخبط الإداري
مرت الخطوط الملكية المغربية بأزمة مالية كبيرة قبل أكثر من عقد من الزمن، حيث تكبدت خسائر ضخمة دفعتها إلى اتخاذ قرارات صعبة. كان من أبرز هذه القرارات تسريح عدد من موظفي الشركة، الأمر الذي أثر على العاملين وعلى سمعة الشركة. تعرضت الشركة في تلك الفترة لمنافسة شرسة من قبل شركات الطيران منخفضة التكلفة، بالإضافة إلى تحرير قطاع النقل الجوي بشكل مفاجئ دون أن يكون هناك استعداد كافٍ من قبل الدولة. في هذا السياق، لم يكن أمام إدارة الشركة إلا التوجه للحكومة للمساعدة، وهو ما يكشف عن ضعف التخطيط الاستراتيجي في تلك الفترة.
لكن، ورغم هذه الصعوبات، كانت الخطوط الملكية المغربية قادرة على تجاوز هذه الأزمة بفضل قيادة حكيمة أعادت هيكلة الاتفاقيات الجوية وفتح أبواب التعاون مع الدول الإفريقية. هذا التعاون لم يكن اقتصاديًا فقط، بل كان متماشيًا مع الرؤية الملكية التي تؤكد على تعزيز التعاون الإفريقي في مجالات مختلفة، سواء دبلوماسيًا أو اقتصاديًا. بفضل هذه السياسة، أصبحت الشركة تلعب دورًا محوريًا في السوق الإفريقية، حيث سيطرت على خطوط جوية حيوية في القارة، واستطاعت تحقيق نمو مستدام في مجال النقل الجوي.
على الرغم من هذه النجاحات، فإن قطاع الطيران المدني في المغرب لم يشهد تطورًا متكافئًا في جميع جوانبه. منذ عام 2012، بدأت مديرية النقل الجوي تفقد قوتها وتأثيرها، بعد أن تمت إزاحة الكفاءات المؤهلة لصالح تعيينات حزبية. أدى هذا إلى فقدان الخبرات في القطاع، ما أسهم في تراجع الأداء العام للمديرية. لم تكن تلك الأزمة عارضة، بل كانت بداية لتخبط إداري مستمر، حيث لم يتمكن القطاع من تحقيق أي إنجاز ملحوظ منذ ذلك الحين، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجدوى من استمراره على هذا النحو.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاريع عديدة كانت قد طرحت في الماضي لا تزال قيد الانتظار، حيث ظل الوضع على حاله في ظل غياب خطة واضحة ورؤية استراتيجية للنهوض بالقطاع. هذا التخبط يعكس حالة من الارتباك الإداري، ويظهر عجزًا كبيرًا في استثمار الفرص التي كان يمكن أن تحقق النجاح للقطاع. حتى الآن، ورغم أن العديد من القطاعات الأخرى قد شهدت تقدماً، فإن مديرية النقل الجوي ما زالت تقبع في حالة من الجمود.
وفي الوقت الذي حقق فيه المغرب نجاحًا كبيرًا على الصعيد الدبلوماسي بفضل جهود الوزير ناصر بوريطة، حيث أصبحت المملكة نموذجًا في السياسة الخارجية، يبقى قطاع الطيران المدني بعيدًا عن هذه النجاحات. ورغم أن المغرب حقق تطورًا ملحوظًا في عدة مجالات، لا يزال قطاع النقل الجوي يعاني من الركود، ما يعكس عدم مواكبة هذه الإنجازات في القطاع الحيوي الذي يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الوطني والمصالح الاستراتيجية للمملكة.
من أجل تحسين هذا الوضع، لا بد من إلغاء التعيينات الحزبية وإعادة الاعتبار للكفاءات المهنية الحقيقية في هذا القطاع. الحل يكمن في تحويل مديرية النقل الجوي إلى وكالة وطنية مستقلة تُدار وفق منهجية احترافية، على غرار الدول المتقدمة. هذه الخطوة من شأنها أن تعيد للقطاع جاذبيته، وأن تجعل المغرب يتبوأ مكانة الريادة في مجال النقل الجوي بما يليق بمكانته على الصعيدين الإقليمي والدولي.
إن ما يحدث في قطاع الطيران المدني في المغرب ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو تراكم لسنوات من سوء التدبير السياسي الذي أُعطي فيه الولاء الحزبي الأولوية على الكفاءة المهنية. من الضروري اتخاذ خطوات إصلاحية جادة لتصحيح المسار، لأن سمعة المملكة ومصالحها الاستراتيجية لا يجب أن تكون رهينة لتقلبات السياسة الداخلية، بل ينبغي أن تُدار وفق رؤية طموحة وواضحة تتماشى مع النجاحات التي تحققها الدبلوماسية المغربية على الساحة الدولية.