إقتصاد

لتحقيق السيادة الغذائية.. المغرب مطالب بتسخير تقنيات جديدة واستعمال بذور مقاومة للجفاف

لتحقيق السيادة الغذائية.. المغرب مطالب بتسخير تقنيات جديدة واستعمال بذور مقاومة للجفاف

يشكل البحث الزراعي إحدى الركائز الأساسية في مسار تحقيق السيادة الغذائية للمملكة، بالنظر لدوره في اقتراح حلول قادرة على تعزيز هذه السيادة، عبر ابتكار أصناف جديدة من الزراعات المقاومة للتغيرات المناخية، فضلا عن استفادة الزراعة المغربية من التقنيات الجديدة التي يقدمها البحث العلمي لتحسين المردودية والإنتاج.

أصبحت المملكة مدعوة أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم في السنوات الأخيرة، والتي تسببت في ندرة المياه وتفاقم أزمة الجفاف، عبر تنفيذ استراتيجيات وقائية من هذه المخاطر وتوقع حدوثها. وهي عملية يحرص عليها الباحثون في مختلف المراكز والمؤسسات المغربية المخصصة للبحث الزراعي.

ويخصص المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA) والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة بالمغرب (ICARDA) يوما دراسيا يتطرق لدور البحث الزراعي في تعزيز السيادة الغذائية للمملكة، تحت عنوان “محصول حبوب أكثر مقاومة للجفاف من أجل السيادة الغذائية: ما هو دور البحث؟”، وذلك خلال فعاليات الملتقى الدولي للفلاحة المنظم من الثاني إلى السابع من شهر ماي المقبل، والذي يُرتقب أن يتم من خلاله التطرق إلى سبل تكثيف البحوث في هذا الاتجاه.

وأصبح حاليا إنتاج أصناف جديدة من الحبوب، تتكيف مع التغيرات المناخية تحديدا، يزداد أهمية في أولويات برنامج التحسين الوراثي للحبوب في المعهد الوطني للبحث الزراعي بالمغرب، ويشمل هذا الأخير الأنواع الرئيسية؛ وهي القمح الصلب، والقمح اللين والشعير، ويهدف هذا البرنامج إلى تجميع المورثات المهمة وابتكار أصناف جديدة تتكيف مع جميع المناطق الزراعية بالمغرب وذات إنتاجية وجودة عالية.

وقد تم، في الفترة الأخيرة، الإعلان عن تسجيل 6 أصناف من الحبوب المقاومة للجفاف من طرف باحثي وخبراء كل من المعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة بالمغرب، من بينها 3 أصناف جديدة من القمح.

وأكد الدكتور موحى فراحي، رئيس قسم التحسين الوراثي بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط INRA، في تصريح لموقع الاولى، أن هذه الحبوب ستساهم بشكل كبير في تحقيق السيادة الغذائية الوطنية، مشيرا إلى أن المملكة مرت مؤخرا، على غرار دول أخرى، من مشاكل اقتصادية ناتجة عن جائحة كورونا والتغيرات المناخية، فضلا عن الحرب الروسية-الأوكرانية ما أثر على عملية التزود بالحبوب، “علما أن المغرب يستورد كميات كبيرة من الحبوب في المواسم الجافة”.

وأبرز فراحي، أن هذه العملية تتطلب، كذلك، العديد من الإمكانيات، “ما يستدعي إعطاء أهمية أكبر لتطوير الأصناف وتشجيع البحث الزراعي في هذا الإطار”.

من جهة أخرى، يرى عمر الفاسي الفهري، أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، أن العلم يمكن أن يلعب دورا رئيسيا في اقتراح حلول قادرة على تعزيز السيادة الغذائية للمملكة، وذلك عبر تشجيع التقدم العلمي وابتكار تقنيات رقمية تساهم في التحول الهيكلي على نطاق واسع في مجال الأمن الغذائي والسيادة الغذائية.

وأكد الفاسي الفهري، خلال الجلسة العامة السنوية الرسمية لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، التي تطرقت إلى دور العلم والابتكار في السيادة الغذائية والأمن الغذائي بالمغرب، في شهر فبراير الماضي، أن الزراعات المغربية يمكن أن تستفيد بشكل كبير من التقنيات الجديدة التي تعمل على رفع إنتاجية المحاصيل والثروة الحيوانية، فضلا عن تحسين خصوبة التربة وضمان إمدادات الماء والتي يمكن أن تزيد من كمية الغذاء على المدى الطويل.

كما يمكن أن يكون التقدم في مجالات التخزين والتبريد والنقل ومعالجة المنتجات الزراعية مفيدا أيضا في العمل على توفير الغذاء بشكل مستدام، وفق المتحدث ذاته.

ويسعى الباحثون في المعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط إلى تطوير أصناف زراعية جديدة تتكيف مع الخصوصيات المناخية لمختلف المناطق بالبلاد، تلبية لحاجيات المنتجين الذين يقبلون أكثر فأكثر على أصناف ذات إنتاجية وجودة عالية.

كما تروم هذه الأبحاث، التي يسهر عليها ثلة من الخبراء في المجال، إلى تحقيق أهداف الجيل الأخضر 2020-2030، عبر تحسين دخل المنتجين وتوسيع طبقة وسطى زراعية من شأنها المساهمة في الأمن الغذائي للبلاد.

كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي، بمجلس النواب، عن إجراءات الوزارة لتشجيع البحث العلمي في مجال الفلاحة والبيئة وتطويرها لتتماشى مع التقلبات المناخية التي يشهدها المغرب.

وأكد الوزير وجود 3423 منشورا علميا في المجالات الزراعية، و5070 في مجال علوم البيئة وذلك ما بين 2017 و2022.

وأبرز ميراوي أن الوزارة تتوفر على برامج تمويل المشاريع البحثية تبلغ 103 دعم مشاريع بحث علمية هذه السنة، من أصل 643 الذين وضعوا مشاريعهم، مشيرا إلى أن الميزانية المخصصة لذلك تقدر بـ100 مليون درهم في سنة 2022-2023.

وحسب معطيات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، اعتمد مخطط المغرب الأخضر على التكوين الفلاحي وعلى البحث كرافعتين أساسيتين لتنمية القطاع الفلاحي وتعزيز قدراته وإمكاناته.

وانطلاقا من ذلك تمت بلورة الاستراتيجية الوطنية للتكوين والبحث الزراعي (SNFRA) التي تهدف إلى تزويد القطاع الفلاحي برؤية شاملة لرصد وتلبية الحاجيات من المؤهلات والمهارات، وتطوير البحث التشاركي الفعال من أجل خدمة الفلاحة المغربية.

وتهدف الاستراتيجية الوطنية للفلاحة بالمغرب إلى وضع نظام وطني فعال للبحوث الزراعية من أجل خدمة فلاحة تنافسية وتضامنية ومستدامة، وذلك من خلال ملاءمة عرض البحث الزراعي مع توجهات الاستراتيجية الوطنية للفلاحة وبمشاركة المهنيين في تفعيل وتدبير وتمويل هذا النظام، ونقل ونشر المعارف والمهارات والتقنيات إلى الفلاحين، فضلا عن تشجيع وإشراك وإدماج مختلف الفاعلين في المجال الفلاحي بهدف تحقيق تدبير معتمد على النتائج  والتقييم.

ويتولى المعهد الوطني للبحث الزراعي عملية إجراء البحوث العلمية والتقنية والاقتصادية الهادفة إلى تنمية الفلاحة الوطنية والثروة الحيوانية، وإجراء الدراسات المستقبلية، لا سيما تلك المتعلقة بالبيئة الطبيعية أو المتعلقة بتحسين الإنتاج النباتي أو الحيواني.

كما يعمل المعهد على إجراء التجارب، بمبادرة منه أو بطلب من الأشخاص الذاتيين، حول الزراعات الجديدة أو التي يجب تحسينها والإنتاج الحيواني، بحيث يقوم بمجمل التجارب العملية ذات الطابع الفلاحي أو تلك المرتبطة بوضع كل الآليات والمعالجات لتحويل المنتجات النباتية والحيوانية.

ومن بين مهامه أيضا، ضمان مراقبة البحوث والدراسات والأعمال التي يتم إجراؤها لفائدة الأشخاص المعنويين، في حدود اختصاصات المعهد، ودراسة وتحديد التدابير العملية، قصد تطبيق نتائج البحوث الزراعية، مع تقديم الاستشارة لمؤسسات الإرشاد الفلاحي ولفائدة الفلاحين.

وأكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أنها تعمل على تعبئة استثمارات كبيرة في البحث العلمي الزراعي والتدريب والابتكار، والتي تعد القوة الدافعة وراء تحول النظم الغذائية.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!